فَطِنٌ بِكُلِّ مُصِيْبَةٍ فِي مَالِهِ | وَإِذَا يُصَابُ بِدِيْنِهِ لَمْ يَشْعُرِ |
والتقدير (١): أقصر كفار مكة نظرهم على ظاهر الحياة الدنيا، ولم يحدثوا التفكر في قلوبهم فيعلموا أنه تعالى ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ﴾؛ أي: لم يخلق السماوات والأجرام العلوية ﴿وَالْأَرْضَ﴾؛ أي: الأجرام السفلية ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾؛ أي: وما بين السماوات والأرض من المخلوقات، ملتبسة بشيء من الأشياء ﴿إِلَّا﴾ حالة كونها ملتبسةً ﴿بِالْحَقِّ﴾ والحكمة والمصلحة، ليعتبروا بها، ويستدلوا بها على وجود الصانع ووحدته وقدرته، وإنما جعل متعلق الفكر والعلم هو الخلق دون الخالق؛ لأن الله تعالى منزه عن أن يوصف بصورة في القلب، ولهذا روي: "تفكروا في آلاء الله تعالى ولا تتفكروا في ذات الله".
﴿وَأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ معطوف على الحق؛ أي: وإلا بأجل معين، قدره الله تعالى لبقائها، لا بد لها من أن تنتهي إليه، وهو وقت قيام الساعة، وقوله (٢): ﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ إشارة إلى وجه دلالتها على الوحدانية، وقوله: ﴿وَأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إشارة إلى معاد الإنسان، فإن مجازاته بما عمل من الإساءة والإحسان هو المقصود بالذات.
وقيل: إن قوله: ﴿فِي أَنْفُسِهِمْ﴾: مفعول للتفكر، والمعنى عليه؛ أي: أولم يتفكر هؤلاء المكذبون بالبعث من قومك في خلق الله لهم ولم يكونوا شيئًا، ثم تصريفهم أحوالًا وتارات، حتى صاروا كاملي الخلق، كاملي العقل، فيعلموا أن الذي فعل ذلك قادر على أن يعيدهم بعد فنائهم خلقًا جديدًا، ثم يجازي المحسن منهم بإحسانه، والمسيء منهم بإساءته، لا يظلم أحدًا منهم فيعاقبه بدون جرم
(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٢) المراح.