كانوا أكثر منكم أموالًا وأولادًا، ومكنوا في الدنيا تمكينًا، لم تبلغوا معشاره، وعمروا فيها أعمارًا طوالًا، واستغلوها أكثر من استغلالكم، ولما جاءتهم الرسل بالبينات.. كذبوهم، وفرحوا بما أوتوا، فأخذوا بذنوبهم، ولم تغن عنهم أموالهم شيئًا، ولم تحل بينهم وبين بأس الله تعالى.
١٠ - ثم أكد ما سلف بقوله: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى﴾ قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو: ﴿عَاقِبَةَ﴾ بالرفع، على أنها اسم ﴿كَانَ﴾، وتذكير الفعل حينئذٍ لكون تانيثها مجازيًا، و ﴿السُّوأَى﴾ خبرها، والمعنى؛ أي: ثم بعد إهلاكهم في الدنيا، كان عاقبة الذين عملوا السيئات في الآخرة الدار السيئة، التي هي نار جهنم، والعقوبة التي هي أسوأ العقوبات وأفظعها، وهي العقوبة بالنار.
وفيه وضع الظاهر، وهو ﴿الَّذِينَ﴾ مقام المضمر؛ لأن مقتضى السياق أن يقول: ثم كان عاقبتهم، وقوله: ﴿أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: مفعول لأجله، علة لما أشير إليه من تعذيبهم الدنيوي والأخروي؛ أي: أهلكهم الله سبحانه في الدنيا، ثم كان عاقبتهم في الآخرة الدار السيئة، لأجل أن كذبوا بآيات الله، المنزلة على رسله، ومعجزاته الظاهرة على أيديهم.
﴿وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ معطوف على ﴿كَذَّبُوا﴾ داخل معه في حكم العلة؛ أي: لأجل تكذيبهم بايات الله تعالى، واستهزائهم بها، وإيراد الاستهزاء بصيغة المضارع للدلالة على استمراره وتجدده.
وقرأ الكوفيون وابن عامر (١): ﴿عاقبة﴾ بالنصب، على أنه خير ﴿كَانَ﴾ مقدم، و ﴿السُّوأَى﴾: مصدر أساؤوا، كالرجعى، أو صفة لمصدر محذوف، و ﴿أَنْ كَذَّبُوا﴾: اسمها المؤخر، والتقدير: ثم كان التكذيب والاستهزاء عاقبة الذين عملوا السوأى، أو عملوا الأعمال السينة، و ﴿السُّوأَى﴾: تأنيث الأسوأ، كالحسنى، تأنيث الأحسن، أو مصدر كالبشرى والرجعى، وصف به العقوبة مبالغةً، كأنها نفس السوأى، وقيل: السوأى: اسم لجهنم، كما أن الحسنى اسم

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon