ولما ذكر سبحانه حال الشفعاء معهم.. ذكر حالهم مع الشفعاء بقوله: ﴿وَكَانُوا﴾؛ أي: وكان عبدة الأصنام يومئذٍ ﴿بِشُرَكَائِهِمْ﴾؛ أي: بآلهتهم ﴿كَافِرِينَ﴾؛ أي: جاحدين متبرئين منهم، يقولون: والله ربنا ما كنا مشركين؛ أي: ويكونون يكفرون بآلهتهم حيث يئسوا منهم، وعبر بالماضي أيضًا، إشارةً إلى تحققه في علم الله تعالى، كما سبق.
١٤ - ثم بين سبحانه أن الله يميز الخبيثين من الطيبين، فقال: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾؛ أي: ويوم تجيء الساعة التي يحشر فيها الخلق إلى الله، أعيد لتهويله، وتفظيع ما يقع فيه، وقوله: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ توكيد لفظي لما قبله؛ أي: يوم إذ تقوم الساعة ﴿يَتَفَرَّقُونَ﴾؛ أي: يتفرق أهل الإيمان بالله وأهل الكفر به، فأما أهل الإيمان به.. فيؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وأما أهل الكفر فيؤخذ بهم ذات
الشمال إلى النار، والمراد: تفرق جميع الخلق المدلول عليهم بقوله: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ لا تفرق المجرمين خاصة، والمراد بالتفرق: أن كل طائفة تنفرد، وليس المراد: تفرق كل فرد منهم عن الآخر، ومثل الآية قوله تعالى: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ وذلك بعد تمام الحساب، فلا يجتمعون أبدًا، قال قتادة: فرقة والله لا اجتماع بعدها، وقال الحسن: لئن كانوا اجتمعوا في الدنيا.. ليتفرقن يوم القيامة، هؤلاء في أعلى عليين، وهؤلاء في أسفل السافلين.
١٥ - ثم بين سبحانه كيفية تفرقهم، فقال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات ﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ﴾ عظيمة؛ أي: في رياض الجنة، وهي محاسنها وملاذها، وخص الروضة بالذكر، لأنه لم يكن عند العرب شيء أحسن منظرًا، ولا أطيب نشرًا من الرياض، ففيه تقريب المقصود من أفهامهم ﴿يُحْبَرُونَ﴾؛ أي: يسرون سرورًا تهللت له وجوههم، وبألوان الزهر والسندس الأخضر يتمتعون، ويتلذذون بالسماع والعيش الطيب الهنيء، وقيل: ينعمون، وقيل: يكرمون، والأولى أولى.
١٦ - ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ورسوله ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ القرآنية التي من جملتها هذه الآيات الناطقة بما فصل ﴿وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ﴾ أي: البعث بعد الموت،


الصفحة التالية
Icon