وتعودون إلى الصور التي كنتم عليها أولًا، والخلق الجديد إشارة إلى النشأة الثانية.
والعامل في ﴿إِذَا﴾ محذوف دلَّ عليه ما بعده؛ أي: تنشأون خلقًا جديدًا، ولا يعمل فيها مزقتم؛ لإضافتها إليه، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف، ولا ينبئكم؛ لأن التنبئة لم تقع وقت التمزيق، بل تقدمت عليه، ولا جديد؛ لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها.
قال هذا القول بعضهم لبعض؛ استهزاءً بما وعدهم الله على لسان رسوله من البعث، وأخرجوا الكلام مخرج التلهي به، والتضاحك مما يقوله من ذلك، كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه: هل أدلك على قصة كريبة نادرة؛ لما كان البعث عندهم من المحال.. جعلوا من يخبر عن وقوعه في حيز من يتعجب منه، وأتوا باسمه عليه السلام نكرةً في قوله: هل ندلكم على رجل، وكان اسمه أشهر علم في قريش، بل في الدنيا، وإخباره بالبعث أشهر خبر؛ لأنهم أخرجوا ذلك مخرج الاستهزاء، والتحلي ببعض الأحاجي المعمولة للتلهي والتعمية، فلذلك نكروا اسمه، كما سبق.
وقرأ الجمهور (١): ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ بالهمز والتشديد، وزيد بن علي بإبدال الهمزة ياءً محضةً، وحكى عنه الزمخشري: ﴿ينبئكم﴾ بالهمز من ﴿أنبأ﴾ ومعنى الآية: أي: وقال قريش بعضهم تعجبًا واستهزاءً وتهكمًا وإنكارًا: هل سمعتم برجل يقول: إنا إذا تقطعت أوصالنا، وتفرقت أبداننا، وبليت عظامنا.. نرجع كرةً أخرى أحياءً كما كنا، ونحاسب على أعمالنا، ثم نثاب على الإحسان إحسانًا، ونجزى على اجتراح الآثام آلامًا بنار تلظى، تشوي الوجوه والأجسام.
وخلاصة ذلك: أنه يقول: إذا أكلتكم الأرض، وصرتم رفاتًا وعظامًا، وقطعتكم السباع والطير.. ستحيون وتبعثون، ثم تحاسبون على ما فرِّط منكم من صالح العمل وسيِّئه.
٨ - ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم رددوا ما وعدهم به رسول الله - ﷺ - من البعث بين أمرين، فقالوا: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ فيما قاله، وهذا أيضًا من كلام الكفار، وأصل (٢) ﴿أَفْتَرَى﴾: أافترى بهمزة الاستفهام المفتوحة الداخلة على همزة
(٢) روح البيان.