الجبال، وهو ما يرده الجبال على المصوت فيه. والمعنى على الثاني: سيري معه حيث سار، ولعل (١) حكمة تخصيص الجبال بالتسبيح أو السير؛ لإنها على صور الرجال، كما دل عليه ثباتها، وقيل: معناه: كان إذا لحقه ملل أو فتور.. أسمعه الله تسبيح الجبال، فينشط له.
وقرأ الجمهور: ﴿أَوِّبِي﴾ بفتح الهمزة وتشديد الواو على صيغة الأمر من التأويب، وهو: الترجيع، أو التسبيح، أو السير، أو النوح. وقرأ ابن عباس والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق: بضم الهمزة، أمرًا من: آب يؤوب: إذا رجع؛ أي: ارجعي معه. ﴿وَالطَّيْرَ﴾ قرأه الجمهور بالنصب عطفًا على ﴿فَضْلًا﴾ على معنى: وسخرنا له الطير؛ لأن إيتاءَها إياه: تسخيرها له، فلا حاجة إلى إضماره، ولا إلى تقدير المضاف؛ أي: تسبيح الطير، كما في "الإرشاد"، أو عطفًا على محل: ﴿يَا جِبَالُ﴾؛ لأنه منصوب تقديرًا؛ إذ المعنى: نادينا الجبال والطير. وقال سيبويه وأبو عمرو بن العلاء: انتصابه بفعل مضمر على معنى: وسخرنا له الطير. وقال الزجاج والنحاس: يجوز أن يكون مفعولًا معه، كما تقول: استوى الماء والخشبة. وقال الكسائي: إنه معطوف على ﴿فَضْلًا﴾ لكن على تقدير مضاف محذوف؛ أي: آتيناه فضلًا، وتسبيح الطير.
وقرأ السلمي والأعرج ويعقوب وأبو نوفل وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم ومسلمة بن عبد الملك (٢): بالرفع، عطفًا على لفظ "الجبال"، أو على المضمر في ﴿أَوِّبِي﴾ لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه.
نزَّل الجبال والطير منزلة العقلاء (٣)؛ حيث نوديت نداءهم؛ إذ ما من حيوان وجماد إلا وهو منقاد لمشيئته، ومطيع لأمره، فانظر؛ إذ من طبع الصخور الجمود، ومن طبع الطير النفور، ومع هذا قد وافقته عليه السلام، فأشد منها القاسية قلوبهم، الذين لا يوافقون ذكرًا، ولا يطاوعون تسبيحًا، وينفرون من مجالس أهل الحق نفور الوحوش، بل يهجمون عليها بأقدام الإنكار، كأنهم الأعداء من الجيوش.

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon