وإجمال معنى الآية: وعزتي وجلالي لقد (١) أعطينا داود عليه السلام منَّا نعمًا ومننًا فقلنا للجبال وللطير: رجعي معه التسبيح، وردديه إذا سبح ذلك بأن نحمله عليه إذا تأمل عجائبها، فهي له مذكرات، كما يذكر المسبِّح مسبِّحًا آخر، وجعلنا الحديد في يده لينًا، يسهل تصويره وتصريفه كما يشاء، فيعمل منه الدروع وآلات الحرب على أتم النظم، وأحكم الأوضاع، فيجعل حلقاتها على قدر الحاجة، فلا هي بالضيقة فتضعف، ولا تؤدي وظيفتها لدى الكر والفر، والشد والجذب، ولا هي بالواسعة التي ربما ينال صاحبها من خلالها الأذى. وهذا تعليم من الله تعالى له في إجادة نسج الدروع.
قال قتادة: إن داود أول من عملها حلقًا، وكانت قبل ذلك صفائح، فكانت ثقالًا. واعمل يا داوود أنت وآلك بطاعة الله تعالى، فأجازيكم كفاء ما عملتم، ثم علل هذا الأمر بقوله: ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾؛ أي: إني مراقب لكم، مطلع عليكم، بصير بأعمالكم وأقوالكم، لا يخفى عليَّ شيء منها، وفي هذا ما لا يخفي من التنبيه والإغراء بإصلاح العمل، والإخلاص فيه.
١٢ - ثم ذكر سبحانه ما أنعم به على ولده سليمان من النبوة والملك والجاه العظيم فقال: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ﴾؛ أي: وسخرنا لسليمان عليه السلام الريح، وهي ريح الصبا.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿الرِّيحَ﴾ بالنصب على تقدير: وسخرنا لسليمان الريح، كما قاله الزجاج. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه بالرفع على الابتداء والخبر، أي: والريح مسخرة لسليمان، وقرأ الجمهور: ﴿الرِّيحَ﴾ بالإفراد، وقرأ الحسن وأبو حيوة وخالد بن إلياس: ﴿الرياح﴾ بالجمع.
﴿غُدُوُّهَا﴾؛ أي: جريها وسيرها بالغداة؛ أي: من لدن طلوع الشمس إلى زوالها، وهو وقت انتصاف النهار ﴿شَهْرٌ﴾؛ أي: مسيرة شهر؛ أي: مسير دواب الناس في شهر. ﴿وَرَوَاحُهَا﴾؛ أي: جريها وسيرها بالعشي؛ أي: من انتصاف النهار إلى الليل ﴿شَهْرٌ﴾؛ أي: مسيرة شهر، ومسافته، يعني: كانت تسير في يوم واحد

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon