على موته إلا الأرضة التي وقعت في عصاه من داخلها؛ إذ بينما هو متكىء عليها، وقد وافاه القضاء المحتوم.. انكسرت، فسقط على الأرض، واستبان للجن أنهم لا يعلمون الغيب، كما كانوا يزعمون، ولو علموه لما قاموا في الأعمال الشاقة التي كانوا يعملونها ظانين أنه حيٌّ.
والكتاب الكريم لم يحدِّد المدة التي قضاها سليمان وهو متوكىء على عصاه، حتى علم الجن بموته، وقد روى القصاصون أنها كانت سنة، ومثل هذا لا ينبغي الركون إليه، فليس من الجائز أنَّ خدم سليمان لا يتنبهون إلى القيام بواجباته المعيشية من مأكل ومشرب وملبس ونحوها يومًا كاملًا، دون أن يحادثوه في ذلك، ويطلبوا إليه القيام بخدمته، فالمعقول أن الأرضة بدأت العصا، وسليمان لم يتنبه لذلك، وبينما هو متوكىء عليها حانت منيته، وكانت الأرضة قد فعلت فعلها في العصا، فانكسرت، فخرَّ على الأرض، فعلمت الجن كذبها إذ كانت تدعي أنها تعلم الغيب؛ إذ لو علمته ما لبثت ترهق نفسها في شاقّ الأعمال التي كلفت بها.
وقرأ الجمهور (١): ﴿دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ بسكون الراء. وقرأ أبو المتوكل (٢) وأبو الجوزاء وعاصم الجحدري: ﴿دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ بفتح الراء. وقرأ نافع وأبو عمرو وجماعة: ﴿مِنْسَأَتَهُ﴾ بألفٍ محضة، وأصله: منسأته، أبدلت الهمزة ألفًا بدلًا غير قياسي. وقال أبو عمرو: أنا لا أهمزها؛ لأني لا أعرف لها اشتقاقًا، فإن كانت مما لا تهز.. فقد احتطت، وإن كانت تهمز.. فقد يجوز لي ترك الهمزة فيما يهمز.
وقرأ ابن ذكوان وجماعة منهم: بكار والوليد أن ابن عتبة وابن مسلم: ﴿منسأته﴾ بهمزة ساكنة، وهو من تسكين التحريك تخفيفًا، وليس بقياس، وضعَّف النحاة هذه القراءة؛ لأنه يلزم فيها أن يكون ما قبل تاء التأنيث ساكنًا غير ألفًا. وقيل: قياسها: التخفيف بين بين، والراوي لم يضبط، وأنشد هارون بن موسى الأخفش الدمشقي شاهدًا على سكون هذه القراءة قول الراجز:
صَرِيْعُ خَمْرٍ قَامَ مِنْ وَكْأتِهْ | كَقَوْمَةِ الشَّيْخِ إِلى مَنْسَأَتِهْ |
(٢) زاد المسير.