وقرأ الجمهور (١): ﴿يجازى﴾ بضم الياء وفتح الزاي ﴿الكفور﴾ رفعًا. وقرأ حمزة والكسائي: ﴿نُجَازِي﴾ بالنون وكسر الزاي، ﴿الْكَفُورَ﴾ بالنصب. وقرأ مسلم بن جندب: ﴿يجزى﴾ مبنيًا للمفعول، ﴿الْكَفُورَ﴾ رافعًا، وأكثر ما يستعمل الجزاء في الخير، والمجازاة في الشر، لكن في تقييدهما قد يقع كل واحد منهما موقع الآخر.
وفي الآية (٢): إشارة إلى أن المؤمن الشاكر يربط بشكره النعم الصورية، والمعنوية من الإيقان والتقوى والصدق والإخلاص والتوكل والأخلاق الحميدة وغير الشاكرين يزيل بكفرانه هذه النعم، فيجد بدلها الفقر والكفر والنفاق والشك والأوصاف الذميمة. ألا ترى إلى حال بلعم، فإنه لم يشكر يومًا على نعمة الإيمان والتوفيق، فوقع فيما وقع، والعياذ بالله تعالى، فلما غرس أهل الكفر في بستان القلب والروح الأشجار الخبيثة.. لم يجدوا إلا الثمار الخبيثة، فما عوملوا إلا بما استوجبوه، وما حصدوا إلا بما زرعوا، وما وقعوا إلا في الحفرة التي حفروا، كما قيل: يداك أوكتا، وفوك نفخ.
وهذا مثل مشهور يضرب لمن يتحسر ويتضجر مما يرد عليه منه، يقال: أوكأ على سقائه: إذا سنده بالوكاء، والوكاء: للقربة، وهو الخيط الذي يشد به فوها، وفي الحديث: "فمن وجد خيرًا فليحمد الله - أي: الذي هو ينبوع الرحمة والخير - ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
فصل في سد مأرب - سد العرم
وصف هذا السد مؤرخو العرب في عصور مختلفة (٣)، وأصدق من أجاد وصفه الهمداني في كتابه: "وصف جزيرة العرب" قال: في الجنوب الغربي من مأرب سلسلة جبال هي شعاب من جبل السراة الشهير، تمتد مئات الأميال نحو الشرق الشمالي، وبين هذه الجبال أودية تصب في واد كبير يعبِّر عنه العرب بالميزاب الشرقي، وهو أعظم أودية الشرق، وشعاب هذه المواضع وأوديتها إذا أمطرت السماء تجمعت فيها السيول، وانحدرت حتى تنتهي أخيرًا إلى وادي آذنة،
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.