الخاص بتفريق المتصل وخرقه من تهويل الأمر والدلالة على شدة التأثير والإيلام ما لا يخفى.
أي: مزقناهم تمزيقًا لا غاية وراءه، بحيث تضرب به الأمثال في كل فرقة ليس بعدها وقال، فيقال: تفرَّقوا أيدي سبأ؛ أي: تفرقوا تفرق أهل هذا المكان من كل جانب، وكانوا قبائل ولدهم سبأ، فتفرقوا في البلاد. قال الشعبي: فلحقت الأنصار بيثرب، وغسان بالشام. والأزد بِعُمَان، وخزاعة بتهامة، وقال الزمخشري (١): غسان بالشام، وأنمار بيثرب، وجذام بتهامة، والأزد بِعُمَان. وفي "التحرير": وقع منهم قضاعة بمكة، وأسد بالبحرين، وخزاعة بتهامة.
وفي الحديث: أن سبأ أبو عشرة قبائل، فلما جاء السيل على مأرب، وهو اسم بلدهم.. تيامن منهم ست قبائل - أي: تبددت في بلاد اليمن -: كندة والأزد والسفر ومذحج وأنمار التي منها بجلية وخثعم، وطائفة قيل لها حجير، بقي عليها اسم الأب الأول، وتشاءمت أربعة: لخم وجذام وغسان وخزاعة، ومن هذه المتشائمة أولاد قيلة، وهم الأوس والخزرج، ومنها عاملة، وغير ذلك.
والمعنى (٢): أي فجعلناهم أحاديث للناس يسمرون بها، ويعتبرون بأمرهم، وكيف مكر الله بهم، وفرَّق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء، وصاروا مضرب الأمثال، فيقال للقوم يتفرقون: تفرقوا أيدي سبأ، فنزل آل جفنة بن عمرو الشام، ونزل الأوس والخزرج يثرب، ونزل أسد السراة السراة، ونزلت أزد عمان عمانًا، ثم أرسل الله على السَّدِّ السيل فهدَّمه.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور من قصتهم، وما فعل الله بهم ﴿لَآيَاتٍ﴾ عظيمة، ودلالات واضحة، وعلامات كثيرة، وعبرًا بليغة، وحججًا قاطعة على الوحدانية والقدرة. قال بعضهم: جمع الآيات؛ لأنهم صاروا فرقًا كثيرةً، كل منهم آية مستقلة ﴿لِكُلِّ صَبَّارٍ﴾ عن المعاصي ودواعي الهوى والشهوات، وعلى البلايا والمشاق والطاعات ﴿شَكُورٍ﴾ على النعم الإلهية في كل الأوقات والحالات، أو لكل مؤمن كامل؛ لأنَّ الإيمان نصف صبر ونصف شكر؛ أو لكل من هو كثير الصبر والشكر،
(٢) المراغي.