الصادقة، ولا يضطرب حين حلولها إلا الضعيف الذي ليس له جلد ولا صبر.
وعبارة "روح البيان" هنا: والمعنى (١): وما كان تسلُّطه عليهم إلا ليتعلق علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزًا ممن هو في شك منها تعلقًا حاليًا يترتب عليه الجزاء، فعلم الله قديم، وتعلقه حادث؛ إذ هو موقوف على وجود المكلف في عالم الشهادة، فلا يظن ظان بالله ظن السوء أن الله جلّ جلاله لم يكن عالمًا بأهل الكفر وأهل الإيمان، وإنما سلّط عليهم إبليس ليعلم به المؤمن من الكافر، فإن الله بكمال قدرته وحكمته خلق أهل الكفر مستعدًّا للكفر، وخلق أهل الإيمان مستعدًّا للإيمان، كما قال عليه السلام: "خلق الجنة وخلق لها أهلًا، وخلق النار وخلق لها أهلًا"، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾، فالله تعالى كان عالمًا بحال الفريقين قبل خلقهم، وهو الذي خلقهم على ما هم به وإنما سلط الله الشيطان على بني آدم لاستخراج جواهرهم من معادن الإنسانية، كما تسلط النار على المعادن لتخليص جوهرها، فإن كان الجوهر ذهبًا فيخرج منه الذهب، وإن كان الجوهر نحاسًا فيخرج منه النحاس، فلا تقدر أن تخرج من معدن النحاس الذهب والفضة، وهو ناري يستخرج جواهرهم من معادنهم بنفخة الوساوس، فلا يقدر أن يخرج من كل معدن إلا ما هو جوهره، وقال بعضهم: العلم هنا مجاز عن التمييز، المعنى: إلا لنميّز المؤمن بالآخرة من الشاكّ فيها، فعلَّل التسلَّط بالعلم، والمراد: ما يلزمه انتهى.
﴿وَرَبُّكَ﴾ يا محمد، ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من المخلوقات، ﴿حَفِيظٌ﴾؛ أي: محافظ، والمعنى: أي (٢): وربك أيها الرسول حفيظ على أعمال هؤلاء الكفار وغيرهم، لا يعزب عن علمه شيء، وهو يجازيهم جميعًا يوم القيامة بما كسبوا في الدنيا من خير أو شر، فمن أخبت لله وأناب إليه.. لاقى من الثواب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ومن دسّ نفسه الأمَّارة بالسوء، وانهمك في شهواته.. لاقى من سوء الجزاء كفاء أعماله ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (١٤) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦)﴾.

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon