الشفاعة، فهو من (١) تمام كلام الشفعاء، قالوه اعترافًا بغاية عظمة جناب العزة، وقصور شأن كل من سواه، وفيه أيضًا ثناء على الله، كما لا يخفى.
٢٤ - ثمّ أمر الله سبحانه رسوله - ﷺ - أن يبكِّت المشركين ويوبخهم فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لمشركي قومك ﴿قُلْ﴾ استفهام توبيخ وتبكيت؛ أي: قل لهم من ﴿يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ﴾ بإنزال المطر ﴿و﴾ من ﴿الْأَرْضِ﴾ بإخراج النبات؛ أي: قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين بربهم الأوثان والأصنام من يرزقكم من السموات بإنزال الغيث عليكم حياة لحروثكم، وصلاحًا لمعايشكم، وتسخير الشمس والقمر والنجوم لمنافعكم، ومن الأرض بإخراج أقواتكم، وأقوات أنعامكم؟ فإنْ هم قالوا: لا ندري.. فأجبهم: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ يرزقكم؛ إذ لا جواب سواه عندهم أيضًا إلا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به عنادًا مع علمهم بصحته، ولأنهم لو تفوهوا به لقيل لهم: فما لكم لا تعبدون من يرزقكم، وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق؟!
والمعنى (٢): أي فإن أجابوك، وقالوا: الله.. فذلك ظاهر، وإن لم يقولوا ذلك.. فقل: الله يرزق؛ إذ لا جواب سواه، وهذا إشارة إلى أن جر النفع ليس إلا به تعالى، ومنه تعالى، فإذن إن كنتم من الخواص فاعبدوه لعُلُوِّه وكبريائه، سواء دفع عنكم ضررًا أو لم يدفع، وسواء نفعكم بخير أو لم ينفع، فإن لم تكونوا كذلك.. فاعبدوه لدفع الضر، وجر النفع.
واعلم (٣): أنَّ الرزق قسمان: ظاهر، وهو الأقوات والأطعمة المتعلق بالأبدان، وباطن، وهو المعارف المتعلقة بالأرواح، وهذا أشرف القسمين، فإن ثمرته حياة الأبد، وثمرة الرزق الظاهر قوة إلى مدة قريبة الأبد، والله تعالى هو المتولي لخلق الرزقين، والمتفضل بالإيصال إلى كلا الفريقين، ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.
ثم أمره سبحانه أن يخبرهم بأنهم على ضلاله، لكن على وجه الإنصاف في الحجة بعدما سبق تقرير من هو على الهدى، ومن هو على الضلالة، فقال:

(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon