ثم ذكر ما يكون من حوار بين ضاليهم ومضليهم حين الوقوف بين يدي الملك الديان للحساب والجزاء، فقال: ﴿وَلَوْ تَرَى﴾ يا محمد، أو يا من يليق بالخطاب ﴿إِذِ الظَّالِمُونَ﴾ المنكرون للبعث؛ لأنهم ظلموا بأن وضعوا الإنكار موضع الإقرار ﴿مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾؛ أي (١): محبوسون في موقف المحاسبة على أطراف أناملهم، وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف تقديره: لو رأيت ذلك.. لرأيت أمرًا فظيعًا شنيعًا تقصر العبارة عن تصويره، وإنما دخلت ﴿لَوْ﴾ على المضارع مع أنها للشرط في الماضي؛ لتنزيله منزلة الماضي؛ لأن المترقب في أخبار الله تعالى، كالماضي المقطوع به في تحقق وقوعه، أو لاستحضار صورة الرؤية ليشاهدها المخاطب. ﴿يَرْجِعُ﴾ ويردُّ، من رجع رجعًا بمعنى: ردَّ. ﴿بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ﴾؛ أي: حالة كونهم يتحاورون، ويتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب، بعد أن كانوا في الدنيا متناصرين متحابّين.
وفي "السمين" (٢) قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى﴾: مفعول ﴿تَرَى﴾، وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوفان للعلم؛ أي: ولو ترى يا محمد حال الظالمين وقت وقوفهم عند ربهم، راجعًا بعضهم إلى بعض القول.. لرأيت حالًا فظيعةً، وأمرًا منكرًا، وجملة ﴿يَرْجِعُ﴾ حال من ضمير ﴿مَوْقُوفُونَ﴾ والقول منصوب بـ ﴿يَرْجِعُ﴾؛ لأنه يتعدى قال تعالى: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ﴾، وجملة قوله: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ تفسير لقوله: ﴿يَرْجِعُ﴾، فلا محل له من الإعراب، أو بدل منه؛ أي: حالة كون الاتباع الذين عدوا ضعفاء وقهروا يقولون: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾؛ أي: للرؤساء الذين بالغوا في الكبر والتعظم عن عبادة الله تعالى، وقبول قوله المنزل على أنبيائه، واستتبعوا الضعفاء في الغي والضلال: ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ﴾ موجودون؛ أي: لولا إضلالكم وصدكم إيانا عن الإيمان، ﴿لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ بالله ورسوله؛ أي: أنتم منعتمونا من الإيمان واتّباع الرسول.
ومعنى الآية (٣): أي ولو ترى أيها الرسول حال أولئك الكافرين، وما هم فيه من مهانة وذلة، يحاور بعضهم بعضًا، ويتلاومون على ما كان بينهم من سوء

(١) روح البيان.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon