وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨)} فليحذروا أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك.
والخلاصة: أن فيما حل بمن قبلهم من المثلات نكالًا لهم على تكذيبهم رسلهم لعبرة لهم لو كانوا يعقلون،
٤٦ - ثم أطال لهم الحبل، ومد لهم الباع، وأنصفهم في الخصومة فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين، ﴿إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾؛ أي: ما أذكركم وما أنصح لكم إلا بخصلة واحدة هي ﴿أَنْ تَقُومُوا﴾ من مجلس رسول الله - ﷺ -، وتتفرقوا من مجمعكم عنده، فالقيام على حقيقته بمعنى القيام على الرجلين ضد الجلوس، ويجوز أن يكون بمعنى القيام بالأمر، والاهتمام بطلب الحق، والمعنى: إنما أعظكم بخصلة واحدة إن فعلتموها أصبتم الحق، وتخلصتم إليه، وهي أن تقوموا. ﴿لِلَّهِ﴾؛ أي: لوجه الله تعالى، وطلب رضاه خالصًا، لا لحمية ولا عصبية ولا للمراء والرياء والتقليد، بل لطلب ظهور الحق حال كونكم متفرقين ﴿مَثْنَى﴾؛ أي: اثنين اثنين ﴿و﴾ متفرقين ﴿فُرَادَى﴾؛ أي: فردًا فردًا واحدًا واحدًا ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ معطوف على ﴿تَقُومُوا﴾؛ أي: ثم تتدبروا وتتأملوا في أمر محمد - ﷺ -، وما جاء به، فتعلموا ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ﴾ محمد - ﷺ - ﴿مِنْ جِنَّةٍ﴾؛ أي: من جنون يحمله على دعوى النبوة العامة، كما ظننتم، وفائدة التقييد (١) بالاثنين والفرادى: أن الاثنين إذا التجأ إلى الله تعالى، وبحثا طلبًا للحق مع الإنصاف.. هُدِيا إليه، وكذا الواحد إذ تفكر في نفسه مجردًا عن الهوى بخلاف كثرة الجمع، فإنه يقل فيها الإنصاف غالبًا، ويكثر الخلاف، ويثور غبار الغضب، ولا يسمع إلا نصرة المذهب.
وفي تقديم ﴿مَثْنَى﴾ إيذان بأنه أوفق وأقرب من الاطمئنان، فإن الاثنين إذا قعدا بطريق المشاورة في شأن الرسول - ﷺ - وصحة نبوته، من غير هوى وعصبية، وعرض كل منهما محصول فكره على الآخر.. أدى النظر الصحيح إلى التصديق، ويحصل العلم على العلم. قال الشاعر:

إِذَا اجْتَمَعُوا جَاؤُوا بِكُلِّ غَرِيْبَةٍ فَيَزْدَادُ بَعْضُ الْقَومِ مِنْ بِعْضِهِم عِلْمَا
وأما الفرد (٢): فيفكر في نفسه أيضًا بعدل ونصفة، هل رأينا في هذا الرجل
(١) روح البيان.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon