زينب بكر، كعائشة رضي الله عنهما؛ لأن زيدًا كان يعرف أنها حق النبي - ﷺ -، فلم يمسها، وذلك مثل آسية وزليخا، ويكفينا أنَّ ميله - ﷺ - إليها كان أكثر من غيرها، ولم تلد أيضًا، وكانت عائشة تقول في حق زينب: هي التي كانت تساويني في المنزلة عند رسول الله - ﷺ -، ما رأيت امرأة قط خيرًا في الدين، وأتقى لله، وأصدق في حديث، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة من زينب.
ماتت بالمدينة سنة عشرين، وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنها، ودفنت بالبقيع، ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة، وأبدل الله منها لزيد جارية في الجنة، كما قال النبي - ﷺ -: "استقبلتني جارية لعساء، وقد أعجبتني، فقلت لها: يا جارية أنت لمن؟ قالت: لزيد بن حارثة. قوله: "استقبلتني"؛ أي: خرجت من الجنة، واستقبلته - ﷺ - بعد مجاوزة السماء السابعة ليلة المعراج، واللعس: لون الشفة إذا كانت تضرب إلى السواد قليلًا، وذلك مستملح، قاله في "الصحاح".
وأبدى السهيلي حكمة لذكر زيد باسمه في القرآن، هي أنه لما نزل قوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾، وصار يقال له: زيد بن حارثة، ولا يقال له: زيد بن محمد، ونزع عنه هذا التشريف، وعلم الله وحشته من ذلك.. شرَّفه بذكر اسمه في القرآن دون غيره من الصحابة، فصار اسمه يتلى في المحاريب، وزاد في الآية أن قال: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾؛ أي: بالإيمان، فدل على أنه من أهل الجنة، علم بذلك قبل أن يموت، وهذه فضيلة أخرى له رضي الله عنه.
٣٨ - ثم بيَّن الله سبحانه أنه لم يكن على رسول الله - ﷺ - حرج في هذا النكاح، فقال: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيّ﴾ - ﷺ - ﴿مِن﴾ زائدة لوقوعها بعد النفي ﴿حَرَجٍ﴾ اسم كان الناقصة؛ أي: ما صح ولا استقام في الحكمة أن يكون على النبي - ﷺ - حرج وضيق ﴿فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ﴾ وقسم وقدر له في علمه، كتزوج زينب؛ أي: ليس على النبي حرج وذنب ومنع فيما أحل الله له من نكاح امرأة من تبناه، بعد فراقه إياها.
ثم بين أن الرسول وسحونِ ليس بدعًا في الرسل فيما أباح له من الزوجات والسراري، فقال: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾: منصوب على المصدرية بفعل محذوف مؤكد لما قبله من نفي الحرج؛ أي: سن الله سبحانه نفي الحرج سنةً؛ أي: جعله طريقة مسلوكة ﴿فِي الَّذِينَ خَلَوْا﴾؛ أي: مضوا ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل النبي - ﷺ - من