﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ حيث قال النبي - ﷺ -: "اللهم أعز دينك بأحد العمرين: عمر بن الخطاب، أو بأبي جهل عمرو بن هشام" فهدى الله سبحانه عمر رضي الله عنه، وأضل أبا جهل لعنه الله تعالى، ففيهما أنزلت.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؛ أي: كل المحامد مختصة بالله تعالى لا تتجاوز منه إلى غيره، وهو إن كان في الحقيقة حمدًا لله لذاته بذاته، لكنه تعليم للعباد كيف يحمدونه، وبهذا الاعتبار تكون الجملة مقولًا لقول محذوف تقديره: قولوا يا عبادي عند ثنائي: الحمد لله، والشكر له على نعمه.
وهذه السورة (١) ختام السور المفتتحة بالحمد التي فصلت فيها النعم الأربع التي هي أمهات النعم المجموعة في الفاتحة، وهي الإيجاد الأول، ثم الإبقاء الأول، ثم الإيجاد الثاني المشار إليه بسورة سبأ، ثم الإبقاء الثاني الذي هو أنهاها وأحكمها، وهو الختام المشار إليه بهذه السورة المفتتحة الابتداء. اهـ "خطيب".
واعلم (٢): أن الحمد يتعلق بالنعمة والمحنة؛ إذ تحت كل محنة منحة، فمن النعمة العطاس، وذلك لأنه سبب لانفتاح المسام؛ أي: ثقب الجسد، واندفاع الأبخرة المحتبسة عن الدماغ الذي فيه قوة التذكر والتفكر، فهو بحران الرأس، كما أن العرق بحران بدن المريض، ولذا أوجب الشارع الحمد للعاطس. قال ابن عباس رضي الله عنهما: من سبق العطاس بالحمد لله وفي وجع الرأس والأضراس، ومن المحنة التجشي. وفي الحديث: "من عطس أو تجشأ فقال: الحمد لله على كل حال.. دفع الله بها عنه سبعين داءً أهونها الجذام". والتجشي: تنفس المعدة، وذلك لأن التجشي إنما يتولد من امتلاء المعدة من الطعام، فهو من المصائب في الدين خصوصًا إذا وقع حال الصلاة، ويدل عليه أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول عند كل مصيبة "الحمد لله على كل حال".
ثم رتب الحمد على نعمة الإيجاد أولًا؛ إذ لا غاية وراءها؛ إذ كل كمال مبنيٌّ عليها فقال: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: مبدعهما ومخترعهما وخالقهما ابتداءً
(٢) روح البيان.