كالملك الذي أرسله الله تعالى إلى الأعمى والأبرص والأقرع.
وقرأ الجمهور: ﴿جَاعِلِ﴾ بصيغة اسم الفاعل مجرورًا. وقرأ الحسن: ﴿جَاعِلِ﴾ بالرفع والإضافة؛ أي: هو جاعل، وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو: ﴿جَاعِلِ﴾: بالرفع بغير تنوين. ﴿الْمَلَائِكَةِ﴾: نصبًا حذف التنوين لالتقاء الساكنين، وقرأ ابن يعمر وخليد بن نشيط: ﴿جعل﴾ فعلًا ماضيًا (الملائكة) نصبًا، وذلك بعد قراءته فاطر بألف والجر، كقراءة من قرأ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾، وقرأ الحسن وحميد بن قيس: ﴿رسلا﴾ بإسكان العين، وهي لغة تميم. وقال الزمخشري: وقرىء: ﴿الحمد لله الذي فطر السوات والأرض وجعل الملائكة﴾ فمن قرأ: ﴿فطر﴾ و ﴿جعل﴾.. فينبغي أن تكون هذه الجمل إخبارًا من العبد إلى ما أسداه إلينا من النعم، كما تقول: الفضل لزيد أحسن إلينا بكذا، خولنا كذا، يكون ذلك جهة بيان لفعله الجميل، كذلك يكون في قوله: ﴿فطر﴾ جعل؛ لأن في ذلك نعمًا لا تحصى، ومن قرأ: ﴿فاطر﴾ ﴿جاعل﴾.. فالأظهر أنهما اسما فاعل بمعنى المضي، فيكون صفة للجلالة.
﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ صفة لرسلًا؛ أي: أصحاب أجنحة ﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ صفات لأجنحة، فهي مخفوضة بالفتحة الملفوظة، أو المقدرة؛ لأنها غير مصروفة للعدل والصفة؛ أي: جاعل الملائكة رسلًا أصحاب أجنحة اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة؛ أي: ذوي أجنحة متعددة متفاوتة في العدد حسب تفاوت ما لهم من المراتب، ينزلون بها من السماء إلى الأرض، ويعرجون أو يسرعون بها، فإن ما بين السماء والأرض، وكذا ما بين السموات مسيرة خمس مئة سنة، وهم يقطعونها في بعض الأحيان في وقت واحد.
ففي تعداد الأجنحة (١) إشارة إلى كمالية استعداد بعض الملائكة على بعض، وتفاوت أقدارهم وقواهم عند الله تعالى. والمعنى: إن من الملائكة خلقًا لكل منهم جناحان، وخلقًا لكل منهم ثلاثة، وخلقًا آخر لكل منهم أربعة، وعبارة النسفي هنا: والمعنى (٢): إن الملائكة طائفة، أجنحتهم اثنان اثنان؛ أي: لكل واحد منهم جناحان، وطائفة أجنحتهم ثلاثة ثلاثة، ولعلَّ الثالث يكون في وسط الظهر بين
(٢) النسفي.