ويعقوب ولمّا كان ذكر النعمة مؤذيًا إلى ذكر المنعم قال بطريق الاستفهام الإنكاري: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: هل خالق مغاير له تعالى موجود؛ أي: لا خالق سواه على أن ﴿خَالِقٍ﴾ مبتدأ محذوف الخبر، زيدت عليه ﴿مِنْ﴾ تأكيدًا للعموم. و ﴿غير الله﴾ نعت له باعتبار محله، كما أنه نعت له في قراءة الجر باعتبار لفظه.
وقرأ ابن وثاب وشقيق وأبو جعفر وزيد بن علي وحمزة والكسائي (١) ﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾ بالخفض نعتًا على اللفظ، و ﴿مِنْ خَالِقٍ﴾ مبتدأ و ﴿يَرْزُقُكُمْ﴾ جوّزوا أن يكون خبرًا للمبتدأ، وأن يكون صفته، وأن يكون مستانفًا، والخبر على هذين الوجهين محذوف، تقديره: لكم. وقرأ شيبة وعيسى والحسن وباقي السبعة: ﴿غَيْرِ﴾ بالرفع، وجوزوا أن يكون نعتًا على الموضع، كما كان على الجر نعتًا على اللفظ، وهذا الوجه أظهر لتوافق القراءتين فيه، وأن يكون خبراَ للمبتدأ، وأن يكون فاعلًا باسم الفاعل الذي هو خالق؛ لأنه قد اعتمد على أداة الاستفهام، فحسن أعماله كقولك، أقائم زيد في أحد وجهيه. وقرأ الفضل بن إبراهيم النحوي: ﴿غيرَ﴾ بالنصب على الاستثناء والخبر إمّا ﴿يَرْزُقُكُمْ﴾ وإما محذوف، و ﴿يَرْزُقُكُمْ﴾ مستأنف، أو صفة أخرى لـ ﴿خَالِقٍ﴾، وفي "روح البيان": وجملة (٢) ﴿يَرْزُقُكُمْ﴾ كلام مستأنف لا محل له من الإعراب، ولا مساغ لكونه صفة أخرى لـ ﴿خَالِقٍ﴾؛ لأن معناه حينئذ نفي وجود خالق موصوف بوصفي المغايرة والرازقية معًا من غير تعرض لنفي وجود ما اتصف بالمغايرة فقط، ولا لكونه خبرًا للمبتدأ؛ لأن معناه نفي رازقية خالق مغاير له تعالى من غير تعرّض لنفي وجوده رأسًا مع أنّه المراد حتمًا. والمعنى: يرزقكم سبحانه وتعالى: ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ بالمطر ﴿و﴾ من ﴿الْأَرْضِ﴾ بالنبات.
وفائدة هذا التعريف: أنه إذا عرف أنه لا رازق سواه.. لم يعلّق قلبه بأحدٍ في طلب شيء، ولا يتذلّل للإنفاق لمخلوق، وكما لا يرى رزقه من مخلوق لا يراه من نفسه أيضًا، فيتخلّص من ظلمات تدبيره واحتياله، وتوهّم شيء من أمثاله وأشكاله، ويستريح بشهود تقديره تعالى.
وجملة ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ مستأنفة لتقرير النفي المستفاد من الاستفهام؛ أي: لا
(٢) روح البيان.