لأجل أن يكون حزبه ﴿مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾؛ أي: من أصحاب النار المسعرة المتقدة عليهم خالدين فيها معه؛ أي: ما غرضه من دعوة شيعته إلى اتباع الهوى، والركون إلى لذَّات الدنيا إلا إضلالهم وإلقاؤهم في العذاب الدائم من حيث لا يشعرون. وفي "التأويلات": حزبه المعرضون عن الله المشتغلون بغير الله. قال في "الإرشاد": هذا تقرير لعداوته، وتحذير من طاعته بالتنبيه على أنّ غرضه في دعوة شيعته إلى اتباع الهوى، والركون إلى ملاذ الدنيا ليس تحصيل مطالبهم ومنافعهم الدنيويّة، كما هو مقصد المتحابّين في الدنيا عند سعي بعضهم في حاجة بعض، بل هو توريطهم وإلقائهم في العذاب المخلَّد من حيث لا يحتسبون. انتهى.
٧ - ثمّ كشف الغطاء فبنى الأمر كله على الإيمان وتركه، فقال: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: ثبتوا على الكفر بما وجب الإيمان به، وأصرّوا عليه. ﴿لَهُمْ﴾ بسبب كفرهم وإجابتهم لدعوة الشيطان ﴿عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ معجّل ومؤجّل (١)، فمعجّله: تفرقة قلوبهم، وانسداد بصائرهم، وخساسة همّتهم، حتى إنهم يرضون بأن يكون معبودهم الأصنام والهوى والدنيا والشيطان، ومؤجّله: عذاب الآخرة، وهو ممّا لا يخفى شدّته وصعوبته، ومحل الموصول الرفع على الابتداء، والخبر جملة قوله: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾.
والمعنى: أي الذين كفروا بالله ورسوله لهم عذاب شديد في النّار من جراء كفرهم، وإجابتهم دعوة الشيطان، واتباعهم خطواته. ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: ثبتوا على الإيمان واليقين. ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾؛ أي: الطاعات الخالصة لله تحصيلًا لزيادة نور الإيمان. ﴿لَهُمْ﴾ بسبب إيمانهم، وعملهم الصالح الذي من جملته عداوة الشيطان ﴿مَغْفِرَةٌ﴾ عظيمة، وهي في المعجل ستر ذنوبهم، ولولا ذلك لافتضحوا، وفي المؤجّل محوها من ديوانهم، ولولا ذلك لهلكوا. ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ لا غاية له، وهو اليوم سهولة العبادة، ودوام المعرفة، وما يناله في قلبه من زوائد اليقين وخصائص الأحوال، وأنواع المواهب، وفي الآخرة: تحقيق المسؤول، ونيل ما فوق المأمول.
والمعنى: أي والذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بما أمرهم به، وانتهوا عمّا نهاهم عنه لهم مغفرة من الله لذنوبهم، وأجر كبير كفاء ما ملؤوا به قلوبهم من عامر