أسفل المخلوقات، وهي النطفة؛ لأن التراب نزل دركة المركبية، ثم دركة النباتية، ثم دركة الحيوانية، ثم دركة الإنسانية، ثم دركة النطفة، فهي أسفل سافلي المخلوقات، وهي آخر خلق خلقه الله تعالى من أصناف المخلوقات، كما أن أعلى الشجرة آخر شيء يخلقه الله، وهو البذر الذي يصلح أن توجد منه الشجرة، فالبذر آخر صنف خلق من أصناف أجزاء الشجرة.
﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ﴾ سبحانه ﴿أَزْوَاجًا﴾؛ أي: أصنافًا، أحمر وأبيض وأسود، أو ذكرانًا وإناثًا، وعن قتادة: جعل بعضكم زوجًا لبعض، فالذكر زوج الأنثى، وفي "التأويلات" يشير إلى ازدواج الروح والقالب فالروح من أعلى مراتب القرب، والقالب من أسفل دركات البعد، فبكمال القدرة والحكمة جمع بين أقرب الأقربين، وأبعد الأبعدين، ورتب للقالب في ظاهره الحواس الخمس، وفي باطنه القوى البشرية، ورتب للروح المدركات الروحانية، ليكون بالروح والقالب مدركًا لعوالم الغيب والشهادة كلها، وعالمًا بما فيها خلافة عن حضرة الربوبية عالم الغيب والشهادة. انتهى. ﴿وَمَا﴾ نافية ﴿تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى﴾ من حوامل حملًا، و ﴿مِنْ﴾ مزيدة في الفاعل لاستغراق النفي وتأكيده، والأنثى خلاف الذكر ﴿وَلَا تَضَعُ﴾؛ أي: لا تلد أنثى من حوامل ولدًا في حال من الأحوال ﴿إِلَّا﴾ حال كونها متلبسة ﴿بِعِلْمِهِ﴾ تعالى، تابعةً لمشيئته، قال في "بحر العلوم": بعلمه في موضع الحال، والمعنى: ما يحدث شيء من حمل حامل، ولا وضع واضع إلا وهو عالم به، يعلم مكان الحمل ووضعه وأيامه وساعاته وأحواله من الخداج والتمام والذكورة والأنوثة وغير ذلك، فلا يخرج شيء عن علمه وتدبيره.
﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ ﴿ما﴾: نافية، والتعمير إطالة العمر، والمعمر من أطيل عمره، ويقال للمعمر؛ ابن الليالي، وقوله: ﴿مِنْ مُعَمَّرٍ﴾؛ أي: من أحد، و ﴿مِنْ﴾ زائدة لتأكيد النفي، كما في من أنثى.
وسمي معمرًا باعتبار مصيره (١)، يعني: هو من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه، والمعنى: وما يمد في عمر أحد وما يطول، ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ والضمير راجع إلى المعمر، والنقصان من عمر المعمر محال، فهو من التسامح في العبارة

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon