١٣ - ولما كان بين الفلك في البحر، والشمس والقمر في مدارهما مناسبة، فإن كلًّا منهما سارح في تلك العوالم الشاسعة.. أردفه بذكر الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر، فقال: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ﴾ ويدخله ﴿فِي النَّهَارِ﴾؛ أي: يدخل الله سبحانه الليل في النهار بإضافة بعض أجزاء الليل إلى النهار، فينقص الأول ويزيد الثاني، كما في فصل الربيع والصيف. ﴿وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ بإضافة بعض أجزاء النهار إلى الليل، كما في فصل الخريف والشتاء.
والمعنى (١): يدخل بعض ساعات أحدهما في الآخر حتى يصير الزائد منهما خمس عشرة ساعة، والناقص تسعًا. و ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾؛ أي: ذلل ضوء الشمس والقمر لبني آدم. وفي "بحر العلوم": معنى تسخير الشمس والقمر: تصييرهما نافعين للناس، حيث يعلمون بمسيرهما عدد السنين والحساب. انتهى. ومنه (٢) يعلم حكمة الإيلاج، فإنه بحركة النَّيِّرين تختلف الأوقات، وتظهر الفصول الأربعة التي تتعلق بها المصالح، والأمور المهمة، ثم قوله: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ﴾ عطف على ﴿يُولِجُ﴾، واختلافهما صيغةً لما أن إيلاج أحد الملوين في الآخر متجدِّد حينًا فحينًا، وأما تسخير النَّيِّرين.. فلا تعدد فيه، وإنما المتعدِّد والمتجدِّد آثاره، وقد أشير إليه بقوله تعالى: ﴿كُلٌّ﴾؛ أي: كل واحد من الشمس والقمر ﴿يَجْرِي﴾؛ أي: بحسب حركته الخاصة وحركته القسرية على المدارات اليومية المتعددة حسب تعدد أيام السنة جريًا مستمرًا. ﴿لِأَجَلٍ﴾؛ أي: إلى وقت ﴿مُسَمًّى﴾؛ أي: معين قدره الله تعالى لجريانهما، وهو يوم القيامة، فحينئذ ينقطع جريهما.
وقال بعضهم: كل يجري إلى أقصى منازلهما في الغروب؛ لأنهما يغربان كل ليلة في موضع، ثم يرجعان إلى أدنى منازلهما، فجريانهما عبارة عن حركتيهما الخاصتين بهما في فلكيهما، والأجل المسمى: عبارة عن منتهى دوريتهما، ومدة الجريان للشمس سنة، وللقمر شهر، فإذا كان آخر السنة ينتهي جري الشمس، وإذا كان آخر الشهر ينتهي جري القمر، قال في "البحر": والمعنى في التحقيق يجري لإدراك أجلٍ على أن الجري مختص بإدراك أجل.
ولما ذكر (٣) أشياء كثيرة تدل على قدرته الباهرة من إرسال الرياح، والإيجاد

(١) النسفي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon