بالغنى والعز والقدرة والكمال؛ أي: أنتم مفتقرون إليه تعالى في كل حالة، في حالة الفقر والغنى والضعف والقوة والذل والعز، فالعبد مفتقر لربه في أي حالة كان بها ذلك العبد. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه ﴿هُوَ﴾ وحده ﴿الْغَنِيُّ﴾ عن الأشياء كلها المستغني على الإطلاق، فكل أحد يحتاج إليه تعالى؛ لأن أحدًا لا يقدر أن يصلح أمره إلا بالأعوان؛ لأن الأمير ما لم يكن له خدم وأعوان لا يقدر على الإمارة، وكذا التاجر يحتاج إلى المكارين، والله الغني عن الأعوان وغيرها. ﴿الْحَمِيدُ﴾؛ أي: المحمود بكل لسان، المنعم على جميع الموجودات حتى استحق عليهم الحمد على نعمته العامة وفضله الشامل، فالله هو الغني المغني الحميد.
وفي "النسفي": ولم يسمهم (١) بالفقراء للتحقير، بل للتعريض على الاستغناء، ولهذا وصف نفسه بالغني الذي هو مطعم الأغنياء، وذكر الحميد بعده ليدل به على أنه الغني النافع بغناء خلقه، والجواد المنعم عليهم؛ إذ ليس كل غني نافعًا بغناه إلا إذا كان الغني جوادًا منعمًا، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم.
قال سهل: لما خلق الله الخلق حكم لنفسه بالغنى، ولهم بالفقر، فمن ادعى الغى حجب عن الله، ومن أظهر فقره أوصله فقره إليه، فينبغي للعبد أن يكون مفتقرًا بالسر إليه، ومنقطعًا عن الغير إليه حتى تكون عبوديته محضة، فالعبودية هي الذل والخضوع، وعلامته: أن لا يسأل من أحد. وقال الواسطي: من استغنى بالله لا يفتقر، ومن تعزز بالله لا يذل. وقال الحسيني: على مقدار افتقار العبد إلى الله يكون غنيًا بالله، وكلما ازداد افتقارًا ازداد غنى، وقال يحيى: الفقر خير للعبد من الغنى؛ لأن المذلة في الفقر، والكبر في الغنى، والرجوع إلى الله بالتواضع والذلة خير من الرجوع إليه بتكثير الأعمال، وقيل: صفة الأولياء ثلاثة: الثقة بالله في كل شيء، والفقر إليه في كل شيء، والرجوع إليه في كل شيء، وقال الشبلي: الفقر يجر البلاء، وبلاؤه كله عز. انتهى من "النسفي".
ومعنى الآية (٢): أنتم أيها العباد أولو الحاجة والفقر إلى خالقكم ورازقكم، فإياه فاعبدوا، وإلى رضاه فسارعوا، وهو الغني عن عبادتكم وعن غيرها، وهو المحمود على نعمه، فكل نعمة بكم وبسواكم فهي منه، فله الحمد والشكر على
(٢) المراغي.