ليتطابق فواصل الآي، والمعنى: كما لا يستوي الظل والحرارة من حيث إن في الظل استراحة للنفس، وفي الحرارة مشقة وألمًا، كذلك لا يستوي ما للمؤمن من الجنة التي فيها ظل وراحة، وما للكافر من النار التي فيها حرارة شديدة، وأفرد (١) الأعمى والبصير؛ لأنه قابل الجنس بالجنس؛ إذ قد يوجد في أفراد العميان ما يساوي به بعض أفراد البصراء، كأعمى عنده من الذكاء ما يساوي به البصير البليد، فالتفاوت بين الجنسين مقطوع به لا بين الأفراد.
٢٢ - ثم ذكر سبحانه تمثيلًا آخر للمؤمن والكافر، فقال: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ﴾ بنور الإيمان، ﴿وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾ بأمراض الشرك والجهل، وهذا التمثيل أبلغ من الأول، ولذلك كرر الفعل معه، وأوثرت صيغة الجمع في الطرفين تحقيقًا للتباين بين أفراد الفريقين، فالتفاوت بينهما أكثر؛ إذ ما من ميت يساوي في الإدراك حيًا، فذكر أن الأموات لا يساوون الأحياء، سواء قابلت الجنس بالجنس، أم قابلت الفرد بالفرد.
والحي (٢): ما به القوة الحساسة، والميت: ما زال عنه ذلك، وجه التمثيل أن المؤمن منتفع بحياته؛ إذ ظاهره ذكر، وباطنه فكر دون الكافر؛ إذ ظاهره عاطل وباطنه باطل، وقال بعض العلماء: هو تمثيل للعلماء والجهال، وتشبيه الجهلة بالأموات شائع، ومنه قوله:
لَا تُعْجِبَنَّ الْجَهُولَ حُلَّتُهُ | فَإِنَّهُ الْمَيْتُ ثَوْبُهُ كَفَنُ |
والمعنى (٤): أي وما يستوي الأعمى عن دين الله الذي ابتعث به نبيه - ﷺ -، والبصير الذي قد أبصر فيه رشده فاتبع محمدًا - ﷺ -، وصدقه، وقبل عن الله ما ابتعثه
(٢) روح البيان.
(٣) النسفي.
(٤) المراغي.