ونكل علمها إليه تعالى ونقرأها تعبدًا وامتثالًا لأمر الله تعالى، وتعظيمًا لكلامه، وإن لم نفهم منها ما نفهمه من سائر الآيات، وهذا القول هو الأصح الأسلم الذي عليه أكثر السلف.
٢ - ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ بالجر على أنه مقسم به ابتداء، والواو فيه واو القسم؛ أي: أقسم بالقرآن الحكيم، وقيل: الواو للعطف على يس إن جعل يس مقسمًا به؛ أي: أقسم بيس، وبالقرآن الحكيم، قال النقاش: لم يقسم الله سبحانه لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا لمحمد - ﷺ - تعظيمًا له وتمجيدًا، فقال في "إنسان العيون". من خصائصه عليه السلام أن الله تعالى أقسم على رسالته بقوله: ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)﴾. اهـ.
﴿الْحَكِيمِ﴾؛ أي: الحاكم، كالعليم بمعنى العالم، فإنه يحكم بما فيه من الأحكام، فهو فعيل بمعنى: فاعل، أو المحكم المصفى من التناقض والعيب ومن التغير بوجه ما، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، وهو الذي أحكم نظمه وأسلوبه، وأتقن معناه وفحواه، فهو فعيل بمعنى مفعل، كما تقول: عقدت العسل، فهو عقيد؛ أي: معقد، أو (١) ذي الحكمة؛ أي: المتضمن لها والمشتمل عليها، فإنه منبع كل حكمة، ومعدن كل عظة، فيكون بمعنى النسب مثل تأمر بمعنى ذي تمر، أو هو من قبيل وصف الكلام بصفة المتكلم به؛ أي: الحكيم قائله.
٣ - ﴿إِنَّكَ﴾ يا أكمل الرسل، ويا أفضل الكل، وهو خطاب المواجهة بعد شرف القسم به، وهو مع قوله: ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ جواب للقسم، والجملة لرد إنكار الكفرة بقولهم في حقه - ﷺ - لست مرسلًا، وما أرسل الله إلينا رسولًا.
قال في "بحر العلوم": هو من الإيمان الحسنة البديعة لتناسب بين المرسل به والمرسل إليه اللذين: أحدهما: المقسم به المنزل، والآخر المقسم عليه، المنزل إليه. انتهى.
وهذه الشهادة منه تعالى من جملة ما أشير إليه بقوله تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾.