والجحدري وأبو جعفر يزيد بن القعقاع: بالجر على أنه نعت للقرآن؛ لأنه بمعنى المنزل، أو بدل منه، وعبر عنه بالمصدر، كما تقول العرب: هذا الدرهم ضرب الأمير؛ أي: مضروبه لكمال عراقته في كونه منزلًا من عند الله تعالى، فكأنه نفس التنزيل كما مر آنفًا.
والعزيز (١): هو الغالب على جميع المقدورات، المتكبِّر الغني عن طاعة المطيعين، المنتقم ممن خالفه، ولم يصدق القرآن، وخاصية هذا الاسم وجود الغنى والعز صورة أو حقيقة أو معنى، فمن ذكره أربعين يومًا في كل يوم أربعين مرة.. أعانه الله تعالى وأعزه، فلم يحوجه إلى أحدٍ من خلقه، والرحيم: هو المتفضل على عباده المؤمنين بإنزال القرآن ليوقظهم من نوم الغفلة، ونعاس النسيان، وخاصية هذا الاسم رقة القلب والرحمة للمخلوقين، فمن دوامه كل يوم مئة مرة.. كان له ذلك، ومن خاف الوقوع في مكروه.. ذكره وقرينه وهو اسم الرحمن.
٦ - قوله: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ متعلق بـ ﴿تَنْزِيلَ﴾؛ أي: نزل عليك القرآن لتنذر، أو بفعل مقدر يدل عليه من المرسلين؛ أي: أرسلناك لتنذر؛ أي: لتخوف بالقرآن، ﴿قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ ﴿مَا﴾: نافية، والجملة صفة مبينة لغاية احتياجهم إلى الإنذار، والمعنى: لتنذر قومًا غير منذر آباؤهم الأقربون؛ لتطاول مدة الفترة، ولم يكونوا من أهل الكتاب، ويؤيده قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ يعني: العرب، وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ﴾ إلى قوله: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، ويجوز أن تكون ﴿مَا﴾ موصولة، أو موصوفة على أن تكون الجملة مفعولًا ثانيًا ﴿لِتُنْذِرَ﴾ بحذف العائد، والمعنى: لتنذر قومًا العذاب الذي أنذره آباؤهم، أو لتنذر قومًا عذابًا أنذره آباؤهم الأبعدون في زمن إسماعيل عليه السلام، وإنما وصف الآباء في التفسير الأول بالأقربين، وفي الثاني بالأبعدين؛ لئلا يلزم أن يكونوا منذرين وغير منذرين، فآباؤهم الأقدمون آتاهم النذير لا محالة، بخلاف آبائهم الأدنين، وهم قريش، فيكون ذلك بمعنى قوله: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨)﴾، ويجوز ان تكون ﴿مَا﴾ مصدرية، فتكون نعتًا لمصدر مؤكد؛ أي: لتنذر قومًا إنذارًا كائنًا مثل إنذار آبائهم الأقدمين من العذاب، ﴿فَهُمْ﴾؛

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon