على الإطلاق، أو أكثر كفار العرب، أو أكثر القوم الذين تنذرهم، وهم أهل مكة، وهم من مات على الكفر وأصر عليه أول حياته، فيتفرع قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ على ما قبله؛ أي: لا يؤمنون بإنذارك إياهم، والفاء داخلة على الحكم المسبب عما قبله؛ أي: لأن الله تعالى قد علم منهم الإصرار على ما هم فيه من الكفر والموت عليه، وذهب الجمهور (١): إلى أن المراد بهذا القول قوله تعالى لإبليس عند قوله: لأغوينهم أجمعين: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)﴾، وهو المعنيُّ بقوله: ﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، وهذا القول لما تعلق بمن تبع إبليس من الجن والإنس، وكان أكثر أهل مكة ممن علم الله منهم الإصرار على اتباعه، واختيار الكفر إلى أن يموتوا.. كانوا ممن وجب وثبت عليهم مضمون هذا القول، لكن لا بطريق الجبر من غير أن يكون من قبلهم ما يقتضيه، بل بسبب إصرارهم الاختياري على الكفر والإنكار، وعدم تأثرهم من التذكير والإنذار، ولما كان مناط ثبوت القول وتحققه عليهم إصرارهم على الكفر إلى الموت.. كان قوله: ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ متفرعًا في الحقيقة على ذلك، لا على ثبوت القول، وفُهِم من قوله: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾ أن أهل السعادة أقل، إنما كان أهل السعادة أقل؛ لأن المقصود من الإيجاد ظهور الخليفة من العباد، وهو يحصل بواحدٍ مع أن الواحد على الحق، هو السواد الأعظم في الحقيقة.
فمن آمن فقد أعلى الدين، ومن أعلاه فقد تعرض لعلوه وعزه عند الله تعالى، ومن كفر.. فقد أراد إطفاء نور الله، والله متم نوره، ولما قال المشركون يوم أحد: أعل هبل، أعل هبل.. أذلهم الله وهبلهم، وهو صنم كان يعبد في الجاهلية، وهو الحجر الذي يطأه الناس في العتبة السفلى من باب بني شيبة، وهو الآن مكبوب على وجهه، وبلط الملوك فوقه البلاط، فإن كنت تفهم مثل هذه الأسرار، وإلا فاسكت، والله تعالى حكيم يضع الأمور كلها في مواضعها، فكل ما ظهر في العالم فهو حكمة وضعه في محله، لكن لا بد من الإنكار لما أنكره الشارع فإياك والغلط.
ومعنى الآية (٢): وعزتي وجلالي لقد وجب العقاب على أكثرهم؛ لأنه سبحانه سجل عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون به ولا يصدقون برسوله، لما علم من
(٢) المراغي.