استعدادهم، وغشيت أبصارهم، فلا تقدر على النظر في الدلائل المشاهدة، ولا تستطيع التأمل في جمال الكون، كما قال البوصيري:

قَدْ تُنْكِرُ الْعَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ وَيُنْكِرُ الْفَمُ طَعْمَ الْمَاءِ مِنْ سَقَمِ
١١ - قال الزجاج: أي من أضله الله هذا الإضلال لم ينفعه الإنذار، إنما ينفع الإنذار من ذكر في قوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ﴾ الخ؛ أي: ولما بيَّن سبحانه كون الإنذار عندهم كعدمه.. عقبه ببيان من يؤثر فيه الإنذار، فقال: إنما تنذر؛ أي (١): ما ينفع إنذارك يا محمد إلا ﴿مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾؛ أي: القرآن بالتأمل فيه، أو الوعظ والتذكير، ولم يصر على اتباع خطوات الشيطان، ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾ سبحانه، ﴿بِالْغَيْبِ﴾؛ أي: خاف عقابه تعالى، والحال أنه غائب عن العقاب، على أنه حال من الفاعل، أو والحال أن العقاب غائب عنه، أي: قبل نزول العذاب وحلوله على أنه خال من المفعول، أو حال كونه غائبًا عن عيون الناس في خلواته، ولم يغتر برحمته، فإنه منتقم قهّار، كما أنه رحيم غفار، وكيف يؤمن سخطه وعذابه بعد أن قال: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)﴾، ومن كان نعمته بسبب رحمته أكثر، فالخوف منه أتمّ مخافة أن يقطع عنه النعم المتواترة، فظهر وجه ذكر الرحمن مع الخشية، مع أن الظاهر أن يذكر معها ما ينبىء عن القهر ﴿فَبَشِّرْهُ﴾؛ أي: فبشر من اتبع الذكر وخشي الرحمن، ووحّد الضمير مراعاة للفظ ﴿مَنِ﴾، ﴿بِمَغْفِرَةٍ﴾ عظيمة لذنوبه، ﴿وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾؛ أي: حسن مرضي لأعماله الصالحة، لا يقادر قدره، وهو الجنة وما فيها مما أعدّه الله تعالى لعباده الجامعين بين اتباع ذكره وخشيته.
والفاء في قوله (٢): ﴿فَبَشِّرْهُ﴾ لترتيب البشارة، أو الأمر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية. يقول الفقير: رتّب التبشير بمثنّى على مثنّى، فالتأمل في القرآن، أو التأثر من الوعظ يؤدي إلى الإيمان المؤدي إلى المغفرة؛ لأن الله تعالى يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، والخشية تؤدي إلى الحسنات المؤدية إلى الأجر الكريم؛ لأن الله تعالى قال: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
ومعنى الآية (٣): أي إنما ينفع إنذارك من آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon