الحسنات التي لا ينقطع نفعها بعد الموت، كمن سن سنة حسنة، وكعلم علّموه، أو كتاب ألفوه، أو حبيس وقفوه، أو بناء شيء من المساجد والرباطات والقناطر، أو من السيئات التي تبقى بعد موت فاعلها، كوظيفة وظّفها بعض الظلمة على المسلمين مسانهة أو مشاهرة، كخراج وغرامة ومكوس وعشور، وسكة أحدثها فيها تخسيرهم وشيء فيه صد عن ذكر الله تعالى من ألحان وملاهي ونحوها، قال مجاهد وابن زيد: ونظيره قوله تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣)﴾؛ أي: بما قدم من أعماله، وأخَّر من آثاره، فعلى العدول أن يرفعوا الأحداث التي فيها ضرر بيِّن للناس في دينهم ودنياهم، وإلا فالراضي كالفاعل، وكل مجزي بعمله.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَنَكْتُبُ﴾ على البناء للفاعل، وقرأ زر ومسروق: على البناء للمفعول، وقيل: المراد بالآية: آثار المشائين إلى المساجد، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين. قال النحاس: وهو أولى ما قيل في الآية؛ لأنها نزلت في ذلك، كما مر في أسباب النزول، ويجاب عنه بأن الاعتبار بعموم الآية، لا بخصوص سببها، وعمومها يقتضي كتب جميع آثار الخير والشر، والله تعالى لا يترك الجزاء على الخطى، سواء كانت في حسنة، أو في سيئة.
﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء كائنًا ما كان، سواء كان ما يصنعه الإنسان، أو غيره، وهو منصوب بفعل مضمر يفسّره قوله: ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾؛ أي: ضبطناه وبينّاه وكتبناه وحفظناه وعددناه وأثبتناه ﴿فِي إِمَامٍ﴾؛ أي: أصل عظيم الشأن. ﴿مُبِينٍ﴾؛ أي: مظهر لجميع الأشياء مما كان، وما سيكون، وهو اللوح المحفوظ، سمِّي إمامًا؛ لأنه يؤتم به ويتبع، وقالت فرقة: أراد صحائف الأعمال، وفي ذكر الإحصاء ترغيب وترهيب، فإن المحصي لم يصح منه الغفلة في حال من الأحوال، فعلى العاقل أن يراقب نفسه في كل وقت ونفس وحركة وسكتة.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ﴾ بنصب ﴿كل﴾ على الاشتغال، وقرأ أبو السمال: بالرفع على الابتداء.
(٢) البحر المحيط.