المقرر للشريعة المتقدمة.
وقرأ عبد الله: ﴿بالثالث﴾ بالألف واللام، و ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال الثلاثة جميعًا: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ مؤكدين كلامهم لسبق الإنكار، لما أن تكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد كلمتهم؛ أي: وجاؤوا بكلامهم هذا مؤكدًا لسبق التكذيب للاثنين، والتكذيب لهما تكذيب للثالث؛ لأنهم أرسلوا جميعًا بشيء واحد، وهو الدعاء إلى الله عز وجل، وهذه الجملة (١) مستأنفة استئنافًا بيانيًا واقعًا في سؤال مقدر، كأنه قيل: ما قال هؤلاء الرسل بعد التعزيز لهم بثالث؟
ومعنى الآية (٢): أي واذكر لهم حين أرسلنا إلى أهل القرية رسولين من عندنا، فأسرعوا في تكذيبهما، فقويناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث، فقالوا لأهل القرية إنا إليكم مرسلون من ربكم الذي خلقكم بأن تخلصوا له العبادة، وتتبرّؤوا مما تعبدون من الألهة والأصنام، والمشهور: إن الرسولين الأولين كانا: يوحنا وبولس، والرسول الثالث: شمعون،
١٥ - ثم ذكر شبهةً كثيرًا ما تمسك بها المكذبون للرسل من الأمم الماضية، ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال أهل أنطاكية الذين لم يؤمنوا مخاطبين للرسل الثلاثة، وهذه الجملة أيضًا مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فما قال لهم أهل أنطاكية؛ فقيل: قالوا: ﴿مَا أَنْتُمْ﴾ أيها الثلاثة، ﴿إِلَّا بَشَرٌ﴾؛ أي: آدمي ﴿مِثْلُنَا﴾؛ أي: مشاركون لنا في البشرية، فليس لكم مزية علينا تختصون بها، وهذا من قبيل قصر القلب، فالمخاطبون وهم الرسل لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرًا، ولا منكرين لذلك، لكنهم نزّلوا منزلة المنكرين لاعتقاد الكفار أن الرسول لا يكون بشرًا، فنزلوهم منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا التنافي بين الرسالة والبشرية، فقلبوا هذا الحكم وعكسوه، وقالوا: ما أنتم إلا بشر مثلنا؛ أي: أنتم مقصورون على البشرية، ليس لكم وصف الرسالة التي تدَّعونها، فلا فضل لكم علينا يقتضي اختصاصكم بالرسالة دوننا، ولو أرسل الرحمن إلى البشر رسلًا.. لجعلهم من جنس أفضل منهم، وهم الملائكة على زعمهم، وهذا الموضع قد بسط الكلام فيه في كتب البلاغة فراجعها.
﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾ من وحي سماوي، ومن رسول يبلّغه، فكيف صرتم

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon