والخلاصة: إنّا إما أن نقتلكم أو نلقينكم في غيابات السجون، وننكل بكم تنكيلًا عظيمًا،
١٩ - ثم أجاب عليهم الرسل دفعًا لما زعموه من التطير بهم، فـ ﴿قَالُوا﴾؛ أي: المرسلون لأهل أنطاكية، ﴿طَائِرُكُمْ﴾؛ أي: سبب شؤمكم، ﴿مَعَكُمْ﴾؛ في: من جهة أنفسكم لازم في أعناقكم، لا من قبلنا، وليس هو من شؤمنا؛ أي: سوء حالكم وشدتكم، وإصابة الضرر بكم من الله بسببكم، وهو سوء اعتقادكم، وقبح أعمالكم، فالطائر بمعنى ما يتشاءم به مطلقًا، قال الفراء: طائركم؛ أي: رزقكم وعملكم، وبه قال قتادة، وقال أبو حيان؛ أي: حظكم، وما صار لكم من خير أمر شر معكم؛ أي: من أفعالكم ليس هو من أجلنا، بل بكفركم؛ أي: قالوا لهم: سبب شؤمكم من أفعالكم، لا من قبلنا كما تزعمون، فأنتم أشركتم بالله سواه، وأولعتم بالمعاصي، واجترحتم السيئات، أما نحن فلا شؤم من قبلنا، فإنا لا ندعوا إلا إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له، والإنابة إليه، وفي ذلك منتهى اليمن والبركة.
وقرأ الجمهور (١): ﴿طَائِرُكُمْ﴾ على وزن اسم الفاعل، وقرأ الحسن وابن هرمز وعمرو بن عبيد وزر بن حبيش: ﴿طيركم﴾ بياء ساكنة بعد الطاء، وقرأ الحسن فيما نقل: ﴿اطيركم﴾ مصدر؛ اطير الذي أصله: تطير، فأدغمت التاء في الطاء، فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر، وقوله: ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ بهمزتين همزة الاستفهام التوبيخي، وهمزة إن الشرطية، وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه؛ أي: هل إن وعظتم بما فيه سعادتكم، وخوفتم.. تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب؟
وقوله: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ إضراب (٢) عما تقضيه الشرطية من كون التذكير سببًا للشؤوم، أو مصحِّحًا للتوعيد؛ أي: ليس الأمر كذلك، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان والتجاوز فيه عن الحد، فلذلك أتاكم الشؤم أو في الظلم والعدوان، ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب إكرامه والتبرك به، وهؤلاء القوم في الحقيقة هم النفس وصفاتها، فإنها أسرفت في موافقة الطبع ومخالفة الحق، فكل من كان في يد مثل هذه النفس.. فهو لا يبالي بالوقوع في المهالك،

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon