أَخْوَالِكُمْ}؛ لأنهما ليسا مصدرين حقيقة، فاعتبر هنا حقيقتهما، وثم شبههما.
وقوله: ﴿اللَّاتِي﴾ صفة للبنات؛ أي: وأحللنا لك البنات المذكورة اللاتي ﴿هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾؛ أي: خرجن معك من مكة إلى المدينة، وفارقن أوطانهن، والمراد بالمعية (١): المتابعة له - ﷺ - في المهاجرة، سواء وقعت قبله أو بعده أو معه، وتقييد البنات بكونها مهاجرات معه للإيذان بشرف الهجرة، وشرف من هاجر، وللتنبيه على الأليق والأفضل له - ﷺ -، فالهجرة وصفهن، لا بطريق التعليل كقوله تعالى: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾، ويحتمل تقييد الحل بذلك في حقه - ﷺ - خاصةً، وأن من هاجر معه منهن يحل له نكاحها، ومن لم تهاجر لم تحل، ويعضده قول أم هانىء بنت أبي طالب: خطبني رسول الله - ﷺ -، فاعتذرت إليه فعذرني، ثم أنزل الله هذه الآية، فلم أحل له؛ لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وهم الذين أسلموا بعد الفتح، أطلقهم رسول الله - ﷺ - حين أخذهم، ولفائدة التقييد بالهجرة أعاد هنا ذكر بنات العم والعمات والخال والخالات، وإن كنَّ داخلات تحت عموم قوله تعالى عند ذكر المحرمات من النساء: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾، وأول بعضهم الهجرة في هذه الآية على الإسلام؛ أي: أسلمن معك، فدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة.
وقوله: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً﴾ بالنصب معطوف على مفعول ﴿أَحْلَلْنَا﴾؛ إذ ليس معناه إنشاء الإحلال الناجز، بل إعلام مطلق الإحلال المنتظم لما سبق ولحق، والمعنى: وأحللنا لك امرأة مؤمنة بالله مصدِّقة بالتوحيد. ﴿إِنْ وَهَبَتْ﴾ تلك المرأة ﴿نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾ - ﷺ -؛ أي: لك بغير صداق، والالتفات للإيذان بأن هذا الحكم مخصوص به لشرف نبوته، وأما من لم تكن مؤمنة.. فلا تحل لك بمجرد هبتها نفسها لك. والهبة: أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض. والحرة لا تقبل الهبة، ولا البيع، ولا الشراء؛ إذ ليست بمملوكة، فمعناه: إن ملَّكته بضعها بلا مهر، بأي عبارة كانت من: الهبة، والصدقة، والتمليك، والبيع، والشراء، والنكاح، والتزويج، وكان من خصائصه - ﷺ - أن النكاح ينعقد في حقه بلفظ الهبة وغيرها من غير ولي ولا شهود ولا مهر؛ لقوله: ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon