والتقدير: ألم يتفكر الإنسان، المنكر للبعث، أيًا كان، ولم يعلم علمًا يقينيًا، أنا خلقناه من نطفة. وفي «الإرشاد»: وإيراد الإنسان موضع المضمر؛ لأن مدار الاستفهام متعلق بأحواله، من حيث هو إنسان، كما في قوله تعالى: ﴿أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (٦٧)﴾.
﴿فَإِذا هُوَ﴾؛ أي: الإنسان ﴿خَصِيمٌ﴾؛ أي: شديد الخصومة والجدال بالباطل. ﴿مُبِينٌ﴾؛ أي: مظهر الجدال في خصومته أو مظهر للحجة. والجملة الاسمية (١) معطوفة على الجملة المنفية، داخلة في حيز الاستفهام والتعجيب كأنه قيل: أولم ير أنا خلقناه من أخس الأشياء، وأمهنها ففاجأ خصومتنا في أمر، يشهد بصحته، وتحققه مبدأ فطرته شهادةً بينة. فهذا حال الإنسان الجاهل الغافل. ونعم ما قيل:
أُعلِّمه الرِّمَاية كُلَّ يومٍ | فَلمَّا اشْتَدَّ سَاعِدُه رَمَانِي |
أُعلِّمه الْقَوافِي كُلَّ حِينٍ | فَلمَّا قَالَ قَافيةً هَجَانِي |
لقَدْ رَبَّيت جَروًا طُولَ عُمرِي | فَلمَّا صَارَ كلَبًا عَضَّ رِجْلِي |
والمعنى (٢): أي أو لا يستدل من أنكر البعث بسهولة المبدأ، على سهولة الإعادة. فإن من بدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين، ثم جعله بشرًا سويًا يخاصم ربه، فيما قال إني فاعل، فيقول: من يحيي العظام وهي رميم إنكارًا منه
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.