﴿فَإِذا﴾ هم؛ أي: أهل أنطاكية ﴿خامِدُونَ﴾ أي: قوم خامدون؛ أي: ميتون لا يسمع لهم حسّ، ولا يشاهد لهم حركة، شبّهوا بالنار الخامدة رمزًا إلى أن الحي كالنار الساطعة في الحركة والالتهاب، والميت كالرماد، يقال: خمدت النار إذا سكن لهبها ولم ينطفىء جمرها، وهمدت إذا طفىء جمرها قال في «الكواشي»: لم يقل: هامدون وإن كان أبلغ لبقاء أجسادهم بعد هلاكهم. و ﴿إذا﴾ فجائية (١)؛ أي: فاجأهم الخمود إثر الصيحة، لم يتأخر ووقعت (٢) الصيحة في اليوم الثالث من قتل حبيب والرسل، أو في اليوم الذي قتلوهم فيه. وفي رواية، في الساعة التي عادوا فيها بعد قتلهم إلى منازلهم فرحين مستبشرين، وإنما عجّل الله عقوبتهم، غضبا لأوليائه الشهداء، ولم يذكر لنا الكتاب الكريم، كيف كانت الصيحة، ولا كيف نزل بهم العذاب. وتفصيل ذلك لا يعنينا، فالعبرة تحصل بدون بيانه، إذ المراد: انتقام الله وعذابه لمن كذب أولياءه على أي نحو كان ذلك العذاب. نسأل الله سبحانه أن يحفظنا من موجبات غضبه وسخطه وعذابه.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿صَيْحَةً﴾ بالنصب، على أن ﴿كان﴾ ناقصة، واسمها ضمير يعود إلى ما يفهم من السياق، كما قدمنا. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، والأعرج ومعاذ القارىء ﴿صيحةٌ﴾ بالرفع على أنّ ﴿كان﴾ تامة؛ أي: ما حدثت أو ما وقعت إلا صيحة واحدة. وكان الأصل أن لا يلحق التاء؛ لأنه إذا كان الفعل مسندا إلى ما بعد إلا من المؤنث لم تلحق العلامة للتأنيث، فيقال: ما قام إلا هند، ولا يجوز (ما قامت إلا هند) عند أصحابنا إلا في الشعر. وجوّزه بعضهم في الكلام على قلّة، ومثله قراءة الحسن، ومالك بن دينار، وأبي رجاء، والجحدري، وقتادة، وأبي حيوة، وابن أبي عبلة، وأبي بحرية ﴿لا ترى إلا مساكنهم﴾ بالتاء. والقراءة المشهورة ﴿لا يرى﴾ بالياء، فأنكر أبو حاتم، وكثير من النحويين هذه القراءة، أعني: قراءة الرفع، بسبب لحوق تاء التأنيث في قوله: ﴿إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً﴾. قال أبو حاتم: فلو كان كما قرأ أبو جعفر.. لقال: إن

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط والشوكاني.


الصفحة التالية
Icon