قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر فيما سلف حوار الأتباع والرؤساء من أهل الضلال، وإلقاء كل منهما تبعة ما وقعوا فيه من الهلاك على الآخرين.. بيّن هنا أن لا فائدة من مثل هذا الخصام والجدل. فإن العذاب واقع بكم لا محالة، جزاء ما قدمتم من عمل. ثم أردفه ما يلقاه عباده المخلصون من النعيم المقيم، واللذات التي قصها علينا في تلك الآية، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
التفسير وأوجه القراءة
١ - والواو في قوله: ﴿وَالصَّافَّاتِ﴾ للقسم. والصافات (١): جمع صافة بمعنى جماعة صافة، فالصافات بمعنى الجماعات الصافات. ولو قيل: والصافين وما بعدها بالتذكير لم يحتمل الجماعات. والصف: أن يجعل الشيء على خط مستقيم، كالناس لأداء الصلاة أو الحرب أو الأشجار في الغرس.
وقوله: ﴿صَفًّا﴾ مصدر مؤكد لما قبله؛ أي: صفًا بديعًا. أقسم الله سبحانه، بالملائكة الذين يصفون للعبادة في السماء، ويتراصون في الصف؛ أي: بطوائف الملائكة الفاعلات للصفوف على أن المراد: إيقاع نفس الفعل من غير قصد إلى المفعول، واللاتي يقفن صفا صفا، في مقام العبودية والطاعة، أو الصافات أنفسها؛ أي: الناظمات لها في سلك الصفوف، بقيامها في مواقف الطاعة ومنازل الخدمة. وفي الآية (٢) بيان شرف الملائكة حيث أقسم بهم، وفضل الصفوف. وقد صح أن الشيطان يقف في فرجة الصف، فلا بد من التلاصق والانضمام والاجتماع ظاهرًا وباطنًا.
٢ - والفاء في ﴿فَالزَّاجِراتِ﴾ وما بعده للعطف، والترتيب الرتبي، أو الوجودي كما سيأتي. وقوله: ﴿زَجْرًا﴾ مصدر مؤكد لما قبله. والزجر: الصرف عن الشيء بتخويف؛ أي: فأقسمت بالملائكة الذين يزجرون السحاب زجرًا، ويؤلفونه

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon