والمعنى: أي أقسمت لكم يا بني آدم، أو يا أهل مكة ﴿بالصافات﴾؛ أي (١): بالملائكة الناظمات لأنفسها في سلك الصفوف، بقيامها في مقاماتها المعلومة أو الصافات أقدامها في السماء، لأداء العبادات أو الباسطات أجنحتها في الهواء، واقفة حتى يأمرها الله تعالى بما يريد. ﴿صَفًّا﴾ بديعًا. ﴿فَالزَّاجِراتِ﴾؛ أي: فأقسمت لكم بالملائكة التي تزجر السحاب؛ أي: يأتون بها من موضع إلى موضع، أو الزاجرات لبني آدم عن المعاصي، بالإلهامات، أو الزاجرات للشياطين عن التعرض لبني آدم بالشر والإيذاء، وعن استراق السمع. ﴿زَجْرًا﴾ بليغا. ﴿فَالتَّالِياتِ﴾؛ أي: فأقسمت لكم بالملائكة، التي تتلو الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم السلام، وغيرها من التسبيح، والتقديس، والتحميد، والتمجيد.
٤ - ﴿إِنَّ إِلهَكُمْ﴾ يا أهل مكة - فإن الآية (٢) نزلت فيهم إذ كانوا يقولون: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهًا واحِدًا﴾ - أو يا بني آدم؛ أي: أقسمت لكم بهذه المذكورات، على أن إلهكم ومعبودكم الذي يستحق منكم العبادة ﴿لَواحِدٌ﴾ لا شريك له، فلا تتخذوا آلهة من الأصنام والدنيا والهوى والشيطان. إذ لو لم يكن واحدًا لاختل هذا الاصطفاف، والزجر، والتلاوة. وفي «الصاوي»: ﴿وَالصَّافَّاتِ﴾ الواو (٣): حرف جر وقسم، ﴿وَالصَّافَّاتِ﴾ مقسم به مجرور بواو القسم، وما بعده عطف عليه، وقوله: ﴿إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤)﴾ جواب القسم، وهو المقسم عليه. والمعنى: وحق الصافات وحق الزاجرات وحق التاليات. وإنما خص ما ذكر لعظم قدرها عنده تعالى. ولا يعكر عليه ما ورد من النهي عن الحلف بغير الله تعالى، لأن النهي للمخلوق حذرًا من تعظيم غير الله، وأما هو سبحانه وتعالى، فيقسم ببعض مخلوقاته للتعظيم كقوله: والشمس والليل والضحى والنجم، وغير ذلك.
فإن قلت: ما الحكمة في ذكر القسم هنا، لأنه إن كان المقصود المؤمنين، فلا حاجة إليه؛ لأنهم مصدقون ولو من غير قسم. وإن كان المقصود الكفار، فلا

(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) الصاوي.


الصفحة التالية
Icon