في لفظه، فالجملة منصوبة المحل بـ ﴿يَرَوْا﴾.
وقوله: ﴿أَنَّهُمْ﴾؛ أي: المهلكين من القرون ﴿إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: إلى أهل مكة ﴿لا يَرْجِعُونَ﴾ بدل من ﴿أَهْلَكْنا﴾ على المعنى؛ أي (١): ألم يعلموا كثرة إهلاكنا القرون الماضية والأمم السالفة كونهم؛ أي: الهالكين غير راجعين إليهم؛ أي: إلى هؤلاء المشركين؛ أي: أهلكوا إهلاكًا لا رجوع لهم من بعده في الدنيا؛ أي: أفلا يعتبرون، ولم لا ينتبهون، فكما أنهم مضوا وانقرضوا إلى حيث لم يعودوا إلى ما كانوا، فكذلك هؤلاء سيهلكون وينقرضون إثرهم ثم لا يعودون، وقال بعضهم: ألم يروا أن خروجهم من الدنيا، ليس كخروج أحدهم من منزله إلى السوق، أو إلى بلد آخر، ثم عودته إلى منزله عند إتمام مصلحته هناك، بل هو مفارق من الدنيا أبدًا، فكونهم غير راجعين إليهم عبارة عن هلاكهم بالكلية، ويجوز أن يكون المعنى: أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة؛ أي: أهلكناهم وقطعنا نسلهم، والإهلاك مع قطع النسل أتم وأعم، وقال أبو حيان: والذي تقتضيه صناعة العربية أن ﴿أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ معمول لمحذوف دل عليه السياق، تقديره: قضينا أو حكمنا أنهم إليهم لا يرجعون، ولا يصح إبداله مما قبله لفظًا ولا معنًى وقرأ ابن عباس، والحسن إنهم بكسر الهمزة على الاستئناف وقطع الجملة عما قبلها من جهة الإعراب، ودل ذلك على أن قراءة الفتح مقطوعة عن ما قبلها من جهة الإعراب، لتتفق القراءتان ولا تختلفان، وقرأ عبد الله ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا﴾، و ﴿أَنَّهُمْ﴾ على هذا بدل اشتمال مما قبله، اهـ «البحر».
والمعنى (٢): أي ألم يعتبروا بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل: كعاد، وثمود. وأنهم لا رجعة لهم إلى الدنيا، كما تعتقد الدهرية جهلًا منهم، بأنهم يعودون إليها كما كانوا، وهذه الآية ترد قول أهل الرجعة (٣)؛ أي: من يزعم
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.