لا يبعثون. ومرادهم زيادة الاستبعاد، بناء على أنهم أقدم، فبعثهم أبعد على زعمهم.
وقرأ الجمهور: ﴿أَوَآباؤُنَا﴾ بفتح الواو على أن الواو حرف عطف، دخلت عليه همزة الاستفهام. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، وابن عامر، ونافع في رواية قالون بسكون الواو على أن ﴿أو﴾ هي العاطفة. وفي «فتح الرحمن»: ختم الآية هنا بقوله: ﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾، وختم التي بعدها بقوله: ﴿أَإِنَّا لَمَدِينُونَ﴾؛ أي: لمجزيون ومحاسبون، لأن الأولى في حق المنكرين للبعث، والثانية في حق المنكرين للجزاء، وإن كان كل منهما مستلزمًا للآخر، انتهى.
ومعنى الآية: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا...﴾ إلخ؛ أي (١): إنا لو تقبلنا منه بعض ما يقول، وإن كان فيه ما يدهش العقول، لا نتقبل منه تلك المقالة. وهي إحياء العظام النخرة، والأجسام التي صارت ترابا إن هذا إلا إحدى الكبر، فلا ينبغي أن نوجه النظر إلى مثل هذه الآراء التي لا يقبلها العقل، ولا يصل إلى مثلها الفكر. ثم زادوا في استبعادهم وتعظيم تعجبهم، فقالوا: ﴿أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧)﴾؛ أي: أيبعث آباؤنا الأولون أيضًا. وهذا أغرب؛ لأن أباءهم أقدم منهم، فبعثهم أشد غرابة وأكثر استبعادًا.
١٨ - وبعد أن حكى عنهم هذه الشبهة.. أجاب عنها بقوله: ﴿قُلْ﴾ لهم أيها الرسول تبكيتًا لهم ﴿نَعَمْ﴾ تبعثون يوم القيامة، بعدما تصيرون ترابًا وعظامًا ﴿وَأَنْتُمْ داخِرُونَ﴾ أي: والحال أنكم صاغرون أذلاء أمام القدرة البالغة. ونحو الآية قوله: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ﴾، وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾. و ﴿نَعَمْ﴾ (٢) بفتحتين، يقع في جواب الاستخبار، المجرد من النفي، ورد الكلام الذي بعد حرف الاستفهام. والخطاب لهم ولآبائهم على التغليب. والدخور: أشد الصغار، والذلة. والجملة حال من فاعل ما دل عليه نعم؛ أي: كلكم مبعوثون، والحال أنكم صاغرون، ذليلون على زعم منكم.
(٢) روح البيان.