كنتم بطبيعة أنفسكم مستعدين للكفر، بما دسيتم به أنفسكم، من أفعال الشرك والمعاصي. إذ كنتم تشركون بالله سواه من الأوثان والأصنام، وترتكبون من أنواع الفجور وما كان سببا في الطبع على القلوب والأفئدة حتى لم تعرفوا للحق سبيلا ولا للخير طريقًا.
٣٠ - ﴿وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ﴾؛ أي: من قهر وتسلط نسلب به اختياركم. والسلاطة: التمكن من القهر، ومنه: السلطان: بمعنى الغالب والقاهر. والسلطان يطلق على السلاطة أيضًا، ومنه: ما في هذه الآية ونظائرها ﴿بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طاغِينَ﴾؛ أي: مختارين للطغيان مصرين عليه. والطغيان: مجاوزة الحد في العصيان.
والمعنى (١): أي إننا على فرض إضلالكم وتزيين الكفر لكم، لم نجبركم عليه، ولم نسلبكم اختياركم. فقلوبكم كانت محبة لما تفعلون، مسرورة مما تأتون وما تذرون، مائلة إلى الكفر والعصيان، تواقة للسير على سننه واتباع طريقته. فما كان منا إلا أن دعوناكم لتؤمنوا بما اخترناه لأنفسنا، وزيّنه الشيطان لنا، ووسوس به إلينا، فلبيتم دعوتنا سراعا، وسرتم فيما نحن فيه سائرون، إذ كنتم لذلك مستعدين ولمثله محبين، فما كان منا إلا الدعوة، وكانت منكم الإجابة باختياركم لا جبرًا لكم.
٣١ - ثم ذكروا نتيجة لما تقدم، فقالوا: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنا﴾؛ أي: لزم وثبت علينا ﴿قَوْلُ رَبِّنا﴾ وقضاؤه بتعذيبنا، وهو قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)﴾. ﴿إِنَّا لَذائِقُونَ﴾؛ أي: العذاب الذي ورد به الوعيد.
والمعنى: أي ولأجل أنا بطبعنا، كنا قومًا طاغين، وللكفر وتدسية أنفسنا مستعدين، وعن الإيمان بربنا معرضين، ثبت علينا وعيده، بأنا ذائقوا العذاب لا محالة، إذ كان من عدله أن يجازي كل نفس بما كسبت، ويثيبها بما عملت. وهو الخبير بها، وبما اجترحت. وهذا جزاء لا محيص عنه، وهو نتيجة حتمية لما