بأعمالنا، ومحاسبون بعد أن صرنا ترابًا وعظامًا. والاستفهام للإنكار. جمع مدين، من الدين بمعنى: الجزاء، ومنه: كما تدين تدان؛ أي: أئنا نحن لمبعوثون ومجزيون؛ أي: لا نبعث ولا نجازى.
قرأ الجمهور (١): ﴿لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ بتخفيف الصاد من التصديق؛ أي: لمن المصدقين بالبعث. وقرىء بتشديدها، ولا أدري من قرأ بها، وهو بعيد؛ لأنها من التصدق لا من التصديق. ويمكن تأويلها: بأنه أنكر عليه التصدق بماله لطلب الثواب، وعلل ذلك باستبعاد البعث. وقد اختلف القراء في هذه الاستفهامات الثلاثة، فقرأ نافع الأولى، والثانية بالاستفهام بهمزة، والثالثة بكسر الألف من غير استفهام. ووافقه الكسائي؛ إلا أنه يستفهم الثالثة بهمزتين، وابن عامر الأولى والثالثة بهمزتين، والثانية بكسر الألف من غير استفهام، والباقون بالاستفهام في جميعها، ثم اختلفوا، فابن كثير يستفهم بهمزة واحدةٍ غير مطولة، وبعده ساكنة خفيفة، وأبو عمرو مطولة، وعاصم وحمزة بهمزتين.
وقد مضت قصتهما في سورة الكهف، والاختلاف في اسميهما. قال قرة بن ثعلبة النهراني (٢): كانا شريكين في بني إسرائيل بثمانية آلاف درهم، أحدهما يعبد الله، واسمه يهوذا، ويقصر في التجارة والنظر، والآخر وهو كافر اسمه نطروس، كان مقبلا على ماله، فانفصل من شريكه لتقصيره، فكلما اشترى دارا أو جارية أو بستانا ونحوه، عرضه على المؤمن وفخر عليه، فيتصدق المؤمن بنحو من ذلك ليشتري به في الجنة، فكان من أمرهما في الآخرة، ما قصه الله في كتابه في سورة الكهف. وقال الزمخشري (٣): نزلت في رجل، تصدق بماله لوجه الله تعالى، فاحتاج فاستجدى بعض إخوانه، فقال: وأين مالك؟ فقال: تصدقت به ليعوّضني الله تعالى في الآخرة خيرًا منه. فقال: أإنك لمن المصدقين بيوم الدين، أو لمن المتصدقين لطلب ثواب الله تعالى، والله لا أعطيك شيئًا.
(٢) البحر المحيط مع زيادة من المراح.
(٣) الكشاف.