النجمية»: ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي﴾؛ أي: حفظه وعصمته وهدايته ﴿لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ معكم فيما كنتم فيه من الضلالة في البداية، وفيما أنتم فيه من العذاب والبعد في النهاية.
وإنما أخبر الله تعالى عن هذه الحالة قبل وقوعها، ليعلم أن غيبة الأشياء وحضورها عند الله سبحانه سواء، لا يزيد حضورها في علم الله تعالى شيئًا، ولا ينقص غيبتها من علمه شيئًا، سواء في علمه وجودها وعدمها، بل كانت المعدومات في علمه موجودة.
٥٨ - وقوله: ﴿أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨)﴾ رجوع إلى محاورة جلسائه في الجنة، بعد إتمام الكلام مع قرينه، سرورًا بفضل الله العظيم، والنعيم المقيم، فإن تذكر الخلود في الجنة لذة عظيمة، والهمزة فيه للاستفهام التقريري، داخلة على مقدر يقتضيه المقام، وفيها معنى التعجب، والفاء عاطفة على ذلك المقدر، والتقدير: أنحن مخلدون، منعمون في الجنة، فما نحن بميتين؛ أي: بمن شأنه الموت
٥٩ - ﴿إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى﴾ التي كانت في الدنيا، وهي متناولة لما في القبر بعد الإحياء للسؤال؛ أي: لا نموت في الجنة أبدًا، سوى موتتنا الأولى في الدنيا، ونصبها على المصدر من اسم الفاعل يعني: إنه مستثنى مفرّغ معرب، على حسب العوامل، منصوب بميتين، كما ينصب المصدر بالفعل المذكور قبله في مثل قولك: ما ضربت زيدًا إلا ضربة واحدة، فكأنه قيل: وما نحن نموت موتة إلى موتتنا الأولى. وقيل: نصبها على الاستثناء المنقطع، بمعنى؛ لكن الموتة الأولى قد كانت في الدنيا. وقيل: ﴿إِلَّا﴾ هنا بمعنى بعد وسوى، وقرأ زيد بن علي ﴿وما نحن بمائتين﴾، ﴿وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨)﴾ كالكفار، فإن النجاة من العذاب أيضًا نعمة جليلة، مستوجبة للتحدث بها، كما أن العذاب محنة عظيمة، مستدعية لتمني الموت كل ساعة. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «الموت أشد مما قبله، وأهون مما بعده».
والمعنى (١): أي يقول لهم: أنحن مخلدون منعمون، فما نحن بميتين ولا

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon