﴿مِنْ﴾. كأنه قال: لات من حين مناص، كما جروا بها في قولهم: على كم جذع بيتك؛ أي: من جذع على أصح القولين، وكما قالوا: لا رجل جزاه الله خيرًا. وقرأ عيسى أيضًا ﴿وَلاتَ﴾ بكسر التاء، و ﴿حِينَ﴾ بنصب النون، وتقدم تخريج نصب ﴿حين ولات﴾، روي فيها فتح التاء وضمها وكسرها.
والمعنى (١): أي وكثير من الأمم قبلهم أهلكناهم، فاستغاثوا حين حل بهم العذاب، فلم يغن ذلك عنهم شيئًا، فقد فات الأوان، وحل البأس، فليس الوقت وقت فرار وهرب من العقاب، ونحو الآية قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾، وقوله: ﴿حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤)﴾ وقوله: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣)﴾.
٤ - ﴿وَعَجِبُوا﴾؛ أي: عجب كفار أهل مكة، الذين وصفهم الله تعالى، بأنهم في عزة وشقاق ﴿من أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾؛ أي: رسول ينذرهم، ويخوفهم من عذاب الله، إن استمروا على الكفر من جنسهم، بل أدون منهم في الرياسة الدنيوية، والمال على معنى: أنهم عدوا ذلك خارجًا عن احتمال الوقوع، وأنكروه أشد الإنكار، لا أنهم اعتقدوا وقوعه، وتعجبوا منه، قالوا: إن محمدًا مساو لنا في الخلقة الظاهرة، والأخلاق الباطنة، والنسب، والشكل، والصورة فكيف يعقل أن يختص من بيننا بهذا المنصب العالي، ولم يتعجبوا من أن تكون المنحوتات آلهة، وهذه مناقضة ظاهرة.
فلما تحيروا في شأن النبي - ﷺ -، نسبوه إلى السحر والكذب، كما قال حكايةً عنهم: ﴿وَقالَ الْكافِرُونَ﴾ فيه وضع الظاهر موضع المضمر غضبا عليهم، وإيذانًا بأنه لا يتجاسر على مثل ما يقولونه، إلا المتوغلون في الكفر والفسوق ﴿هَذَا﴾ الرجل الذي يدّعي النبوة والرسالة ﴿سَاحِرٌ﴾ فيما يظهره من الخوارق ﴿كَذَّابٌ﴾ فيما يسنده إلى الله من الإرسال، والإنزال. ولم يقل: كاذب لرعاية

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon