الفواصل، ولأن الكذب على الله ليس كالكذب على غيره، ولكثرة الكذب في زعمهم، فإنه يتعلق بكل آية من الآيات القرآنية، بخلاف إظهار الخوارق، فإنه قليل بالنسبة إليه. هكذا لاح لي هذا المقام.
٥ - ثم أنكروا ما جاء به - ﷺ - من التوحيد، وما نفاه من الشركاء لله. فقالوا: ﴿أَجَعَلَ﴾ محمد - ﷺ - ﴿الْآلِهَةَ﴾ وصيّرها ﴿إِلهًا واحِدًا﴾ وقصرها على الله سبحانه. والهمزة (١) فيه للإنكار، والاستبعاد. والآلهة: جمع إله، وحقه أن لا يجمع، إذ لا معبود في الحقيقة سواه تعالى، لكن العرب لاعتقادهم أن هاهنا معبودات جمعوه، فقالوا: آلهة. و ﴿إِلهًا واحِدًا﴾ مفعول ثان لجعل؛ لأنه بمعنى صيّر؛ أي: صيرهم إلهًا واحدًا في زعمه، وقوله: لا في فعله؛ لأن جعل الأمور المتعددة شيئًا واحدا بحسب الفعل محال؛ أي: أصيّر محمد - ﷺ - بزعمه الآلهة إلهًا واحدًا بأن نفى الألوهية عنهم، وقصرها على واحد؟ أيسعنا، ويكفينا إله واحد في حوائجنا كما يقول محمد - ﷺ -، ولم يعلموا أنهم جعلوا الإله الواحد آلهة. ﴿إِنَّ هذا﴾ القول الصادر من محمد - ﷺ -، وهو التوحيد ﴿لَشَيْءٌ عُجابٌ﴾؛ أي: لأمر بليغ في العجب، لأنه خلاف ما اتفق عليه آباؤنا إلى هذا الآن. والعجاب بمعنى العجيب، كما سيأتي وهو الأمر الذي يتعجب منه كالعجب، إلا أن العجيب أبلغ منه، والعجّاب بالتشديد أبلغ من العجاب بالتخفيف.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿عُجابٌ﴾ مخففًا، وهو صيغة مبالغة كرجل طوال وسراع في طويل وسريع. وقرأ علي، والسلمي، وعيسى بن عمر، وابن مقسم ﴿عجاب﴾ مشددًا، وقالوا: رجل عجّاب، وطعام طيّاب. وهو أبلغ من فعال المخفف.
وفي «فتح الرحمن»: قوله: ﴿وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ﴾ قاله هنا بالواو، وفي ﴿ق﴾ بالفاء حيث قال: ﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢)﴾؛ لأن ما هناك أشد اتصالًا منه هنا؛ لأن ما هنا متصل بما قبله اتصالًا معنويًا فقط، وهو أنهم عجبوا من مجيء المنذر، وقالوا: هذا ساحر
(٢) البحر المحيط.