تعرضهم لهذا التفضيل، وإعطاء النبوة لمن يريدون فقال: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ﴾. فهذا منهم دليل على الجهل، وقلة العظة.
ثم ذكر أن سبب الاستبعاد هو الشك في أمر القرآن، وميلهم إلى التقليد فقال: ﴿بَلْ هُمْ﴾؛ أي: كفار قريش ﴿فِي شَكٍّ﴾ وريب ﴿مِنْ ذِكْرِي﴾؛ أي: من القرآن الذي أنزلت على رسولي، أو من الوحي إليه يرتابون فيه لإعراضهم عن النظر الموجب لتصديقه، وإهمالهم للأدلة، الدالة على أنه حق منزل من عند الله تعالى. والإخبار بأنهم في شك، يقتضي كذبهم في قولهم: ﴿إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ﴾. وليس في عقيدتهم ما يجزمونه، فهم مذبذبون بين الأوهام، ينسبونه تارة إلى السحر، وأخرى إلى الاختلاق.
وفي الآية (١): إشارة إلى أن القرآن قديم؛ لأنه سماه الذكر ثم أضافه إلى نفسه، ولا خفاء بأن ذكره قديم؛ لأن الذكر المحدث يكون مسبوقًا بالنسيان، وهو تعالى منزه عنه.
أي: بل هم في شك، من تلك الدلائل التي لو تأملوا فيها، لزال هذا الشك عنهم، إذ هي دالة بأنفسها على صحة نبوته، ولكنهم حين تركوا النظر والاستدلال، لم يصلوا إلى الحق في أمره.
ثم ذكر: أن سبب هذا الشك، هو الحسد لمجيء النبوة إليه من بينهم، وسيزول حين مجيء العذاب، فقال: ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ﴾؛ أي: بل السبب في شكهم، أنهم لم يذوقوا عذابي، فاغتروا بطول المهلة، ولو ذاقوا عذابي على ما هم عليه من الشرك والشك.. لصدقوا ما جئت به من القرآن، ولم يشكوا فيه.
والخلاصة: أنهم لا يصدقون إلا أن يمسهم العذاب، فيضطروا حينئذ إلى التصديق بذكري. وفي ذكر ﴿لَمَّا﴾ (٢) دلالة على أن ذوقهم العذاب على شرف الوقوع؛ لأنها للتوقع؛ أي: بل لم يذوقوا بعد عذابي، فإذا ذاقوه تبين لهم حقيقة
(٢) روح البيان.