١٢ - ثم ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآيات الآتية: ستة أقوام من الذين كذبوا رسلهم، وما آل إليه أمرهم لتكون ذكرى لأولئك المكذبين من قومه، فيرعووا عن غيهم، ويثوبوا إلى رشدهم. فقال:
١ - ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾؛ أي: قبل قومك يا محمد. وهم قريش ﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ وأنّث الفعل باعتبار المعنى. لأنهم بمعنى: أمة، وطائفة، وجماعة؛ أي: كذبوا نوحًا رسلهم وقد دعاهم إلى الله وتوحيده ألف سنة إلا خمسين عامًا. وقالوا: إنه مجنون، وهزؤوا به. وكلما ألحف في الدعوة، زادوا عتوًا وعنادًا. فدعا ربه، وقال: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّارًا﴾. فأخذهم الطوفان وهم ظالمون. ونجى الله نوحًا، ومن آمن معه، كما قال: ﴿فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤)﴾.
٢ - ﴿وَ﴾ كذبت أيضًا قبلهم ﴿عادٌ﴾ وهم قوم هود رسولهم هودًا، فكذبوه، فأهلكهم الله بريح صرصر عاتية، كما قال في سورة الحاقة: ﴿وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧)﴾ الآيات.
٣ - ﴿وَ﴾ كذب ﴿فِرْعَوْنُ﴾ وقومه رسولهم موسى بن عمران. وقد بعث الله إليهم موسى، وأيده بآياته التسع، فأصر على الجحود والعناد، وبغى، وتجبر، وقال: أنا ربكم الأعلى، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، ونجى موسى وقومه بني إسرائيل، كما قال في سورة يونس: ﴿وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ﴾ الآيات. وقوله: ﴿ذُو الْأَوْتادِ﴾؛ أي: صاحب الأوتاد صفة لـ ﴿فِرْعَوْنُ﴾، جمع وتد بفتح الواو وكسر التاء بزنة كتف، وهو ما غرز في الأرض أو الحائط من خشب، قال المفسرون: لقب بذلك؛ لأنه كانت له أوتاد يعذب بها الناس، وذلك أنه كان إذا غضب على أحد ينصب أربع خشب في الهواء، وكان يمد يدي المعذب ورجليه إلى تلك الخشب الأربع، ويضرب على كل واحد من هذه الأعضاء وتدا من حديد، ويتركه في الهواء حتى يموت، وقال مجاهد: كان يمد