والمعنى (١): أي إنه تعالى، سخر الجبال تسبح معه حين إشراق الشمس، وآخر النهار، وتسبيحها معه، تقديسها لله سبحانه بحال، تليق بها، وتخصيص هذين الوقتين بالذكر، يدل على اختصاصهما بمزيد شرف العبادة فيهما، فإن لفضيلة الأزمنة والأمكنة أثرًا، في فضيلة ما يقع فيهما من العبادات، وسخرنا له الطير، حال كونها محبوسة في الهواء، تسبح بتسبيحه، فإذا مر به الطير وهو سابح في الهواء، وسمعه يترنم بقراءة الزبور.. يقف ويسبح معه.
وفي هذا إيماء إلى ما لداود من حسن الترتيل، والصوت المتقبل، الذي يعجب منه الحيوان الأعجم، فما بالك بالإنسان؟!. ثم أكد ما سلف من تسخيرها له فقال: ﴿كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾؛ أي: كل من الجبال، والطير، مرجاع إلى أمره، يسبح تبعًا له.
٢ - ٢٠ ﴿وَشَدَدْنا مُلْكَهُ﴾؛ أي: قوينا ملكه بكثرة الجنود، وبسطة الثراء والهيبة، ونفوذ الكلمة، والنصر على الأعداء، قيل: كان أربعون ألفا لابسي درع يحرسونه، فإذا أصبح قيل: ارجعوا، فقد رضي عنكم نبي الله، وكان نبينا - ﷺ - يحرس أيضًا، إلى نزول قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، ومن ذلك أخذ السلاطين الحرس في السفر والحضر، فلا يزالون يحرسونهم في الليالي، ولهم أجر في ذلك، وقرأ الجمهور: ﴿وَشَدَدْنا﴾ مخففًا. والحسن، وابن أبي عبلة بشد الدال، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه ادعى رجل على آخر بقرة، وعجز عن إقامة البينة، فأوحى الله تعالى، إلى داود عليه السلام: أن اقتل المدعي إليه. فأعلم الرجل فقال: صدقت يا نبي الله، إن الله لم يأخذني بهذا الذنب، ولكن إني قتلت أبا هذا الرجل غيلة، فقتله داود، فقال الناس: إن أذنب أحد ذنبًا أظهره الله عليه فقتله، فهابوه وعظمت هيبته في القلوب، والغيلة بالكسر: هو أن يخدع شخصا، فيذهب به إلى موضع، فإذا صار إليه قتله.
٣ - ﴿وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ﴾؛ أي: وأعطينا داود عليه السلام الحكمة؛ أي: