والمراد بالخصم المتسورين: جبرائيل، وميكائيل بمن معهما من الملائكة على صورة المدعي، والمدعى عليه، والشهود، والمزكين من بني آدم.
٢٢ - ﴿إِذْ دَخَلُوا﴾؛ أي: الخصوم ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أي: على داود. والظرف بدل من الظرف الأول. ﴿فَفَزِعَ﴾ داود، وخاف ﴿مِنْهُمْ﴾؛ أي: من المتسورين عليه، وإنما فزع منهم، لأنهم أتوه ليلًا في غير وقت دخول الخصوم، ودخلوا عليه بغير إذنه، ولم يدخلوا من الباب الذي يدخل منه الناس، لأنه كان مغلقا، ودخلوا عليه، وهو يتعبد في البيت بغتة من فوق؛ أي: من غير الباب على خلاف العادة. قال ابن الأعرابي: وكان محراب داود من الامتناع بالارتفاع، بحيث لا يرتقي إليه إدمي بحيلة.
وفيه (١) إشارة إلى كمال ضعف البشرية، مع أنه كان أقوى الأقوياء، إذ فزع منهم، ولعل فزع داود، كان لاطلاع روحه على أنه تنبيه له، وعتاب فيما سلف منه، كما سيأتي.
وجملة قوله: ﴿قالُوا لا تَخَفْ﴾ مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قالوا لداود حين فزع منهم؟؛ أي: فلما رأوه فزعًا، قالوا إزالة لفزعه، وخوفه: لا تخف منا. قال في «التأويلات النجمية»: يشير إلى أنه لا تخف من صورة أحوالنا، فإنا جئنا لتحكم بيننا بالحق، ولكن خف من حقيقة أحوالنا. فإنها كشف أحوالك، التي جرت بينك وبين خصمك أوريا.
وارتفاع ﴿خَصْمانِ﴾ على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: نحن فريقان متخاصمان على تسمية مصاحب الخصم خصمًا تجوزًا.
والحاصل: أنه أطلق لفظ الخصم فيما سبق على الجمع بدليل ﴿تسورا﴾، وهنا بلفظ التثنية. لما ذكرنا أولًا من أن لفظ الخصم يحتمل المفرد، والمثنى، والمجموع، وهو جائز؛ أي: وثني هنا بتأويل الفريق، وهم وإن لم يكونوا فريقين بل شخصين اثنين، بدليل أن هذا أخي، الآية، لكن جعل مصاحب الخصم

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon