خصمًا، فكانا بمن معهما فريقين من الخصوم، فحصل الانطباق بين صيغة التثنية في قوله: ﴿خَصْمانِ﴾، وبين ما مر من إرادة الجمع، وقرأ أبو يزيد الجراد عن الكسائي ﴿خصمان﴾ بكسر الخاء.
وقوله: ﴿بَغَى﴾ واعتدى ﴿بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ﴾ هو على سبيل الفرض والتقدير، وعلى سبيل التعريض لداود، لا على تحقيق البغي من أحدهما، فلا يلزم الكذب، إذ الملائكة منزهون عنه، فلا يحتاج إلى ما قيل: إن المتخاصمين كانا لصين دخلا عليه للسرقة، فلما رآهما اخترعا الدعوى، كما في «شرح المقاصد» ﴿فَاحْكُمْ﴾ يا داود ﴿بَيْنَنا بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالعدل ﴿وَلا تُشْطِطْ﴾؛ أي: ولا تجر في الحكومة. وهو تأكيد للأمر بالحكم بالحق. والمقصود من الأمر والنهي الاستعطاف. ﴿وَاهْدِنا﴾؛ أي: وأرشدنا يا داود ﴿إِلى سَواءِ الصِّراطِ﴾؛ أي: إلى الصراط السوي، والطريق الحق، واحملنا عليه بزجر الباغي عما سلكه من طريق الجور، وإرشاده إلى منهاج العدل.
وقرأ الجمهور: ﴿وَلا تُشْطِطْ﴾ مفكوكًا من أشط الرباعي. وقرأ أبو رجاء، وابن أبي عبلة، وقتادة، والحسن، وأبو حيوة ﴿تُشْطِطْ﴾ من شط الثلاثي. وقرأ قتادة أيضًا: ﴿تشط﴾ مدغمًا من أشط الرباعي. وقرأ زيد: ﴿تشاطط﴾ بضم التاء، وبالألف، على وزن تفاعل مفكوكًا. وعن قتادة أيضًا: ﴿تشطط﴾ من شطط المضعف، ذكره أبو حيان في «البحر».
والمعنى (١): أي هل علمت ذلك النبأ العجيب، نبأ الجماعة الذين تسلقوا سور غرفة داود، ودخلوا عليه وهو مشتغل بعبادة ربه، في غير وقت جلوسه للحكم، وحين رآهم فزع منهم، ظنًا منه أنهم جاؤوا لاغتياله، إذ كان منفردًا في محرابه للعبادة، فقالوا له: لا تخف منا، نحن اثنان جار بعضنا على بعض، فاحكم بيننا حكمًا عادلًا، ولا تجر، واهدنا إلى الطريق السوي، ولا تشطط في الحكومة.
٢٣ - ثم فصلوا موضع الخصومة، فقال أحدهما: ﴿إِنَّ هَذَا﴾ الحاضر معي

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon