داوُدُ}؛ أي: علم وأيقن داود ﴿أَنَّما فَتَنَّاهُ﴾ و ﴿ما﴾ كافة زائدة؛ أي: علم داود أنا فتناه، واختبرناه بهذه الواقعة؛ لأنها جارية مجرى الامتحان. والظن هنا مستعار للعلم الاستدلالي لما بينهما من المشابهة، يعني: أن الظن الغالب لما كان يقارب العلم استعير له، فالظن يقين، لكنه ليس بيقين عيان، فلا يقال فيه: إلا العلم.
والمعنى (١): وعلم داود بما جرى في مجلس الحكومة، إنما فعلنا به الفتنة والامتحان لا غير، بتوجيه الحصر إلى نفس الفعل بالقياس إلى ما يغايره من الأفعال، فتنبه لذلك ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ﴾ لذنبه إثر ما علم أن ما صدر منه ذنب، كما استغفر آدم عليه السلام بقوله: ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا﴾ إلخ، وموسى عليه السلام بقوله: ﴿تُبْتُ إِلَيْكَ﴾، وغيرهما من الأنبياء الكرام، على ما بيّن في موضعه.
والمعنى: أنه عند ما تخاصما إليه، وقال ما قال، علم عند ذلك أنه المراد، وأن مقصودهما التعريض به، وبصاحبه الذي أراد أن ينزل له عن امرأته، قال الواحدي: قال المفسرون: فلما قضى داود بينهما، نظر أحدهما إلى صاحبه، فضحك، فعند ذلك علم داود بما أراداه. ورأى أنهما تحولا إلى صورتهما، وذهبا، وعرجا نحو السماء بمرأى منه، وهما يقولان: قضى الرجل على نفسه، فعلم داود أنه إنما عُني به.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَتَنَّاهُ﴾ بتخفيف التاء، وتشديد النون. وقرأ عمر بن الخطاب، وأبو رجاء، والحسن: بخلاف عنه، بتشديد التاء والنون جميعًا مبالغة، وقرأ الضحاك ﴿أفتناه﴾ كقوله: لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت. وقرأ قتادة، وأبو عمرو في رواية، وعبيد بن عمير، وابن السميقع: ﴿افتناه﴾ بتخفيفهما، والألف ضمير الخصمين.
وقد اختلف المفسرون في ذنب داود، الذي استغفر له، وتاب منه على أقوال:
(٢) البحر المحيط.