عليه في ذلك الوقت، ومن تلك الجهة ابتلاء من الله تعالى، لأجل أن يغتالوه، فلم يقع ما كان قد ظنه، فاستغفر ربه من ذلك الظن، إذ لم يقع ما كان قد ظنه. ﴿وَخَرَّ﴾؛ أي: سقط داود حال كونه ﴿راكِعًا﴾؛ أي: ساجدًا على تسمية السجود ركوعًا؛ لأنه مبدؤه، لأنه لا يكون ساجدًا حتى يركع، وفي كل من الركوع والسجود التحني والخضوع، وبه (١) استشهد أبو حنيفة، وأصحابه في سجدة التلاوة، على أن الركوع يقوم مقام السجود، أو المعنى: خر للسجود راكعًا؛ أي: مصليًا إطلاقًا للجزء وإرادة للكل، كأنه أحرم بركعتي الاستغفار. والدليل على الأول؛ أي: على أن الركوع هاهنا بمعنى السجود، ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبي - ﷺ -، كان يقول في سجدة ص وسجدة الشكر: «اللهم اكتب لي عندك بها أجرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وضع عني بها وزرًا، واقبلها مني كما قبلت من عبدك داود سجدته» وقيل (٢): بل كان ركوعهم سجودًا. وقيل: بل كان سجودهم ركوعًا.
﴿وَأَنابَ﴾؛ أي: ورجع داود إلى ربه؛ أي: رجوع بالتوبة من جميع المخالفات، التي هي الزلات، وما كان من قبيل ترك الأولى والأفضل. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبي - ﷺ - سجد في ص، وقال: «سجدها داود توبة، ونسجدها شكرًا».
وهذه السجدة (٣) من عزائم السجود عند أبي حنيفة، ومالك - رحمهما الله تعالى - وكل منهما على أصله. فأبو حنيفة يقول: هي واجبة، ومالك يقول: هي فضيلة، وعند الشافعي، وأحمد سجدة شكر، تستحب في غير الصلاة، فلو سجد بها في الصلاة بطلت عندهما، كما في «فتح الرحمن».
٢٥ - ثم أخبر سبحانه، أنه قبل استغفاره، وتوبته بقوله: ﴿فَغَفَرْنا لَهُ﴾؛ أي: لداود ﴿ذلِكَ﴾ الذنب الذي استغفر منه، وكان ذلك في شهر ذي الحجة، كما في «بحر العلوم». وروي: أنه عليه السلام، بقي في سجوده أربعين يومًا وليلة، لا يرفع
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.