جواب النهي؛ أي: فيكون الهوى أو اتباعك للهوى سببًا لضلالك عن دلائله، التي نصبها على الحق تكوينًا وتشريعًا. قال بعضهم: ﴿وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى﴾؛ أي: ما يخطر لك في حكمك من غير وحي مني ﴿فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: عن الطريق الذي أوحي بها إلى رسل الله تعالى، انتهى.
فإن قلت (١): كيف يكون اتباع الهوى سببًا للضلال؟.
قلت: لأن الهوى يدعو إلى الاستغراق في اللذات الجسمانية، فيشغل عن طلب السعادات الروحانية، التي هي الباقيات الصالحات، فمن ضل عن سبيل الله، الذي هو اتباع الدلائل المنصوبة على الحق، أو اتباع الحق في الأمور، وقع في سبيل الشيطان، بل في حفرة النيران والحرمان.
ويجوز (٢) أن يكون الفعل في ﴿فَيُضِلَّكَ﴾ مجزومًا بالعطف على النهي، وإنما حرّك لالتقاء الساكنين، فعلى الوجه الأول أعني: النصب يكون المنهي عنه الجمع بينهما. وعلى الوجه الثاني، يكون النهي عن كل واحد منهما على حدة.
والمعنى (٣): أي فيكون اتباعك للهوى سببًا في الضلال عن الدلائل التي نُصبت، والأعلام التي وضعت للإرشاد، إلى سبل السلام بإصلاح حال المجتمع في دينه ودنياه. وتهذيبه حتى يسلك طريق الحق بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس.
ثم بيّن غائلة الضلال، ووخامة عاقبته. فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ تعليل للنهي عن اتباع الهوى، والوقوع في الضلال ببيان غائلته، وإظهار ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ في موضع الإضمار للإيذان بكمال شناعة الضلال عنه، كما سيأتي في مبحث البلاغة. ﴿لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ﴾؛ أي: أليم والباء في ﴿بِما نَسُوا﴾ للسببية أو تعليلية. ومعنى النسيان: الترك. ﴿يَوْمَ الْحِسابِ﴾ مفعول لنسوا؛ أي: لهم عذاب أليم، بسبب نسيانهم يوم الحساب والمجازاة، وترك العمل له، قال الزجاج؛ أي: بتركهم العمل لذلك اليوم، صاروا بمنزلة الناسين، وإن كانوا ينذرون ويذكرون. وقال عكرمة، والسدي: في الآية تقديم، وتأخير، والتقدير:
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.