مستأنفة، وسمى الله تعالى، تلك المفاوضة التي جرت بين رؤساء الكفار، وأتباعهم تخاصمًا؛ لأن قولهم: ﴿لا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾، وقول الأتباع: ﴿بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ﴾ هو من باب الخصومة، فسمي التفاوض كله تخاصمًا، لاستعماله عليه.
٦٥ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد - ﷺ - لمشركي مكة: ﴿إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ﴾؛ أي: مخوف بعذاب الله تعالى لمن عصى. أنذركم، وأحذركم عذابه على كفركم ومعاصيكم، وقل أيضًا: ﴿وَما مِنْ إِلهٍ﴾ في الوجود موجود ﴿إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ﴾ الذي لا يقبل الشركة، والكثرة؛ أي: لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فلا ملجأ، ولا مفر إلا إليه، يعني: من عرف أنه الواحد، أفرد قلبه له، فكان واحدًا به، وقد فسر قوله عليه السلام: «إن الله وتر يحب الوتر» يعني: القلب المنفرد له. ومن خاصية هذا الاسم: أن من قرأه ألف مرة، خرج الخلائق من قلبه. وما أحسن قول بعضهم:
إِذَا كَانَ مَا تَهْوَاهُ فِيْ الْحُسْنِ وَاحِدًا | فَكُنْ وَاحِدًا فِي الْحُبِّ إِنْ كُنْتَ تَهْوَاهُ |
٦٦ - ﴿رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا﴾ من المخلوقات؛ أي: مالك جميع العوالم، فكيف يتوهم أن يكون له شريك؟ ﴿الْعَزِيزُ﴾ الذي لا يغالبه مغالب في أمر من أموره، وأيضًا العزيز بالانتقام من المجرمين، فالعزة لله تعالى، وبه التعزز أيضًا. قال الشيخ أبو العباس المرسي - رحمه الله -: والله ما رأيت العز، إلا في رفع الهمة عن المخلوقين، وخاصية هذا الاسم: أن من ذكره أربعين يوما، في كل يوم أربعين مرة.. أعانه الله، وأعزه، فلم يحوجه لأحد من خلقه. ﴿الْغَفَّارُ﴾؛ أي: المبالغ في المغفرة، والستر، والمحو، لمن تاب وآمن وعمل صالحًا، قال بعضهم: الغفار: كثير المغفرة لعباده، والمغفرة: الستر على الذنوب، وعدم